للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ فَاعْرِفُوا لَهُمْ حَقَّهُمْ وَتَمَسَّكُوا بِهَدْيِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ ". فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ بِكَمَالِ بِرِّ الْقُلُوبِ مَعَ كَمَالِ عُمْقِ الْعِلْمِ. وَهَذَا قَلِيلٌ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا يُقَالُ: " مِنْ الْعَجَائِبِ فَقِيهٌ صُوفِيٌّ وَعَالِمٌ زَاهِدٌ " وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَإِنَّ أَهْلَ بِرِّ الْقُلُوبِ وَحُسْنِ الْإِرَادَةِ وَصَلَاحِ الْمَقَاصِدِ يُحْمَدُونَ عَلَى سَلَامَةِ قُلُوبِهِمْ مِنْ الْإِرَادَاتِ الْمَذْمُومَةِ وَيَقْتَرِنُ بِهِمْ كَثِيرًا عَدَمُ الْمَعْرِفَةِ وَإِدْرَاكُ حَقَائِقِ أَحْوَالِ الْخَلْقِ الَّتِي تُوجِبُ الذَّمَّ لِلشَّرِّ وَالنَّهْيِ عَنْهُ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَهْلُ التَّعَمُّقِ فِي الْعُلُومِ قَدْ يُدْرِكُونَ مِنْ مَعْرِفَةِ الشُّرُورِ وَالشُّبُهَاتِ مَا يُوقِعُهُمْ فِي أَنْوَاعِ الْغَيِّ وَالضَّلَالَاتِ وَأَصْحَابُ مُحَمَّدٍ كَانُوا أَبَرَّ الْخَلْقِ قُلُوبًا وَأَعْمَقَهُمْ عِلْمًا. ثُمَّ إنَّ أَكْثَرَ الْمُتَعَمِّقِينَ فِي الْعِلْمِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ يَقْتَرِنُ بِتَعَمُّقِهِمْ التَّكَلُّفُ الْمَذْمُومُ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ والمتعبدين: وَهُوَ الْقَوْلُ وَالْعَمَلُ بِلَا عِلْمٍ وَطَلَبٍ مَا لَا يُدْرَكُ. وَأَصْحَابُ مُحَمَّدٍ كَانُوا - مَعَ أَنَّهُمْ أَكْمَلَ النَّاسِ عِلْمًا نَافِعًا وَعَمَلًا صَالِحًا - أَقَلَّ النَّاسِ تَكَلُّفًا يَصْدُرُ عَنْ أَحَدِهِمْ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَتَانِ مِنْ الْحِكْمَةِ أَوْ مِنْ الْمَعَارِفِ مَا يَهْدِي اللَّهُ بِهَا أُمَّةً وَهَذَا مِنْ مِنَنِ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَتَجِدُ غَيْرَهُمْ يَحْشُونَ الْأَوْرَاقَ مِنْ التَّكَلُّفَاتِ وَالشَّطَحَاتِ مَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْفُضُولِ الْمُبْتَدَعَةِ وَالْآرَاءِ الْمُخْتَرَعَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ سَلَفٌ إلَّا رَعُونَاتُ النُّفُوسِ الْمُتَلَقَّاةِ مِمَّنْ سَاءَ قَصْدُهُ فِي الدِّينِ.