للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَالَ: يُعِينُ صَانِعًا أَوْ يَصْنَعُ لِأَخْرَقَ. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَالَ: يَكُفُّ نَفْسَهُ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ} . وَمِمَّا يُوَضِّحُ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْأَشْيَاءَ أَجْنَاسًا وَأَصْنَافًا وَأَنْوَاعًا تَشْتَرِكُ فِي شَيْءٍ وَيَمْتَازُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِشَيْءِ كَمَا أَنَّ الدَّوَابَّ تَشْتَرِكُ فِي أَنَّهَا تَحُسُّ وَتَتَحَرَّكُ بِالْإِرَادَةِ فَهَذَا لَازِمٌ لَهَا كُلِّهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ} . إذْ كُلُّ إنْسَانٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَرْثٍ وَهُوَ كَسْبُهُ وَعَمَلُهُ. وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَمٍّ هُوَ مَبْدَأُ إرَادَتِهِ وَيَمْتَازُ بَعْضُ الدَّوَابِّ عَنْ بَعْضٍ بِمَا يَفْصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. فَهَذِهِ الْخَوَاصُّ الْفَاصِلَةُ مُخْتَصَّةٌ كَمَا أَنَّ الصِّفَاتِ الْمُشْتَرِكَةَ عَامَّةٌ وَهَذَا كَالنُّطْقِ لِلْإِنْسَانِ وَالصَّهِيلِ لِلْفَرَسِ وَالرُّغَاءِ لِلْبَعِيرِ وَالنَّهِيقِ لِلْحِمَارِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. كَذَلِكَ النَّبَاتَاتُ تَشْتَرِكُ مَعَ الدَّوَابِّ فِي أَنَّهَا تُنْمَى وَتُغَذَّى؛ وَلَكِنْ لَيْسَ لِلنَّبَاتِ حِسٌّ وَلَا إرَادَةٌ تَتَحَرَّكُ بِهَا وَالْمَعْدِنُ مُشَارِكٌ فِي بَعْضِ ذَلِكَ. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَافَ - الَّتِي تُسَمَّى الْأَنْوَاعَ الَّتِي يُفَضَّلُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِهَذِهِ الْخَوَاصِّ الْفَاضِلَةِ - إذَا تَقَوَّمَتْ بِهَذِهِ الْفُضُولِ الْخَوَاصِّ لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ أَنْ يَجْعَلَهَا مِنْ أَنْوَاعٍ أُخَرَ وَلَا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ الْفَضْلَ وَيُلْبِسَهَا فَضْلًا آخَرَ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْحِنْطَةَ شَعِيرًا وَلَا