بِأَخْبَارِ أَهْلِ الضَّرْبِ وَأَخْبَارِ الصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَبَكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَعَرَفَ قَدْرَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ فَلَمْ يَبْقَ فِي ذَلِكَ جَهْلٌ مُؤْثَرٌ؛ بَلْ الْعِلْمُ بِذَلِكَ أَظْهَرُ مِنْ الْعِلْمِ بِالْخَرْصِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَهُمْ إنَّمَا مَقْصُودُهُمْ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ بِقَدْرِ نَصِيبِهِمْ؛ لَيْسَ مَقْصُودُهُمْ أَخْذَ فِضَّةٍ زَائِدَةٍ. وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَضْرِبُ لَهُمْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فِضَّةً خَالِصَةً مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ بِحَيْثُ تَبْقَى فِي بِلَادِهِمْ لَفَعَلُوا ذَلِكَ وَأَعْطَوْهُ أُجْرَتَهُ. فَهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِمَا يَأْخُذُونَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ وَلَا يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَرْبَابُ الْخَالِصَةِ إذَا أَخَذُوا هَذِهِ الدَّرَاهِمَ: فَهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ لَا يَتَضَرَّرُونَ. وَهَذَا " مَأْخَذٌ ثَالِثٌ " يُبَيِّنُ الْجَوَازَ وَهُوَ: أَنَّ الرِّبَا إنَّمَا حَرُمَ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْفَضْلِ وَذَلِكَ ظُلْمٌ يَضُرُّ الْمُعْطِيَ فَحَرُمَ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ. وَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَقَابِضَيْنِ مُقَابَضَةً أَنْفَعَ لَهُ مِنْ كَسْرِ دَرَاهِمِهِ وَهُوَ إلَى مَا يَأْخُذُهُ مُحْتَاجٌ؛ كَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُمَا هُمَا يَحْتَاجَانِ إلَيْهَا وَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ مَضَرَّةٌ عَلَيْهِمَا. وَالشَّارِعُ لَا يَنْهَى عَنْ الْمَصَالِحِ الرَّاجِحَةِ وَيُوجِبُ الْمَضَرَّةَ الْمَرْجُوحَةَ كَمَا قَدْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ. وَهَذَا كَمَا أَنَّ مَنْ أَخَذَ " السَّفْتَجَةَ " مِنْ الْمُقْرِضِ وَهُوَ أَنْ يُقْرِضَهُ دَرَاهِمَ يَسْتَوْفِيهَا مِنْهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ غَرَضُهُ حَمْلُ دَرَاهِمَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ. وَالْمُقْتَرِضُ لَهُ دَرَاهِمُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى دَرَاهِمَ فِي بَلَدِ الْمُقْرِضِ فَيَقْتَرِضُ مِنْهُ فِي بَلَدٍ دَرَاهِمَ الْمُقْرِضِ وَيَكْتُبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute