قَالُوا: يُضْرَبُ حَتَّى يَخْتَارَ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَيُضْرَبُ حَتَّى يَقُومَ بِهِ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: {مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ} . وَالظَّالِمُ مُسْتَوْجِبٌ لِلْعُقُوبَةِ. وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ} " اللَّيُّ: الْمَطْلُ وَالْوَاجِدُ: الْقَادِرُ. فَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقَادِرِ الْمَاطِلِ عِرْضَهُ. وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ. وَالْمَعَاصِي تَنْقَسِمُ إلَى تَرْكِ مَأْمُورٍ وَفِعْلِ مَحْظُورٍ. فَإِذَا كَانَتْ الْعُقُوبَةُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ - كَعُقُوبَةِ هَذَا وَأَمْثَالِهِ مِنْ تَارِكِي الْوَاجِبِ - عُوقِبَ حَتَّى يَفْعَلَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ ذَكَرُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ يُضْرَبُ مَرَّةً بَعْد أُخْرَى. حَتَّى يُؤَدِّيَ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَ ضَرْبَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِتِسْعَةِ وَثَلَاثِينَ سَوْطًا. وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ هَلْ هُوَ مُقَدَّرٌ؟ أَمْ لَيْسَ بِمُقَدَّرِ؟ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَزِّرَهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ عُقُوبَةً لِمَا مَضَى وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُعَاقِبَهُ حَتَّى يَتَوَلَّى الْوَفَاءَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَتَوَلَّى هُوَ بَيْعَ مَالِهِ وَوَفَاءَ الدَّيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute