للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِثْلَ أَنْ يَخْدِمَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمُدَّةِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِلْمَنْفَعَةِ فَقَدْ عَدَلُوا فِي ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ الْمُقْطَعَ الْأَوَّلَ لَمَّا ازْدَرَعَهُ بِعَمَلِهِ وَبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ وَصَارَ بَعْضُ الْمَنْفَعَةِ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ صَارَ مُزْدَرِعًا فِي أَرْضِ الْغَيْرِ؛ لَكِنْ لَيْسَ هُوَ غَاصِبًا يَجُوزُ إتْلَافُ زَرْعِهِ؛ بَلْ زَرْعُهُ زَرْعٌ مُحْتَرَمٌ كَالْمُسْتَأْجِرِ. وَأَوْلَى. فَهُنَا لِلْفُقَهَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْمُزْدَرِعِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَنْفَعَةِ الثَّانِي. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ مَا أَنْفَقَهُ الْأَوَّلُ عَلَى زَرْعِهِ. وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ. فَمَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ: هَلْ الزَّرْعُ لِلْمُزْدَرِعِ؟ أَوْ لِرَبِّ الْأَرْضِ يَأْخُذُهُ وَيُعْطِيهِ نَفَقَتَهُ؟ كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ} عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ. وَهَذَا الثَّانِي مَذْهَبُ أَحْمَد وَغَيْرِهِ. وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَالْمُزْدَرِعُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَيْسَ غَاصِبًا؛ لَكِنْ بِمَنْزِلَةِ أَنَّهُ مِمَّا يُعَدُّ زَرَعَ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اتَّجَرَ فِي مَالٍ يَظُنُّهُ لِنَفْسِهِ فَبَانَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ " قَوْلُ ثَالِثٌ " هُوَ الَّذِي حَكَمَ بِهِ أَهْلُ الدِّيوَانِ.