للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ قَدْرُ حَقِّهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ إنَّمَا يَشْهَدُ اسْتِحْقَاقَ نَفْسِهِ دُونَ اسْتِحْقَاقِ بَقِيَّةِ النَّاسِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ. وَهَلْ يُجْعَلُ لَهُ مِنْهَا بِالْقِيمَةِ هَذَا أَوْ أَقَلُّ؟ وَالْإِنْسَانُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا لِنَفْسِهِ وَلَا شَاهِدًا لِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ قَاسِمًا لِنَفْسِهِ؟ . وَمَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ أَنَّ دُخُولَ الشُّرَكَاءِ تَحْتَ قَاسِمٍ غَيْرِهِمْ وَدُخُولَ الْخُصَمَاءِ تَحْتَ حَاكِمٍ غَيْرِهِمْ وَلَوْ كَانَ ظَالِمًا أَوْ جَاهِلًا أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ خَصْمٍ حَاكِمًا لِنَفْسِهِ وَكُلُّ شَرِيكٍ قَاسِمًا لِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْفَسَادَ فِي هَذَا أَعْظَمُ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَوَّلِ. وَالشَّرِيعَةُ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا وَرَجَّحَتْ خَيْرَ الْخَيْرَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا وَهَذَا مِنْ فَوَائِدِ نَصْبِ وُلَاةِ الْأُمُورِ. وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا يَظُنُّهُ الْجَاهِلُ لَكَانَ وُجُودُ السُّلْطَانِ كَعَدَمِهِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَهُ مُسْلِمٌ؛ بَلْ قَدْ قَالَ الْعُقَلَاءُ: سِتُّونَ سَنَةً مِنْ سُلْطَانٍ ظَالِمٍ خَيْرٌ مِنْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا سُلْطَانٍ. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ:

لَوْلَا الْأَئِمَّةُ لَمْ يَأْمَنْ لَنَا سُبْلُ … وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْبًا لِأَقْوَانَا

وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطٌ بَسْطًا تَامًّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا عَلَى قَدْرِ مَا يُعْرَفُ بِهِ مَقْصُودُ الْجَوَابِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.