للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ إجَارَةً حَتَّى لَوْ دَفَعَ طَعَامَهُ إلَى طَبَّاخٍ يَطْبُخُ بِالْأُجْرَةِ أَوْ ثِيَابَهُ إلَى غَسَّالٍ يَغْسِلُ بِالْأُجْرَةِ أَوْ نَسَّاجٍ أَوْ خَيَّاطٍ أَوْ نَحْوَهُمْ مِنْ الصُّنَّاعِ الَّذِينَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنَّهُمْ يَصْنَعُونَ بِالْأُجْرَةِ يَسْتَحِقُّونَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ حَمَّامًا أَوْ رَكِبَ سَفِينَةً أَوْ دَابَّةً. كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْمَرَاكِبِ الْمُعَدَّةِ لِلْكَرْيِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. فَكَيْفَ إذَا قَالَ: أَجِّرْنِي بِكَذَا؟ فَقَالَ: اذْهَبْ فَاكْتُبْ إجَارَةً فَكَتَبَهَا وَسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَكَانَ: فَهَذِهِ إجَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ كَمَالِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الصِّفَةِ فِي ذَلِكَ. كَمَا قِيلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ. كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَمَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ هَذَا فَعَلَيْهِ أَلَّا يُوجِبَ أَجْرًا إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَأَجَّرَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ وَسَلَّمَ الْمَكَانَ وَطَالَبَ بِالْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ ثُمَّ عِنْدَ الزِّيَادَةِ يَدَّعِي عَدَمَ الْإِجَارَةِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فَإِنَّ هَذَا ظُلْمٌ فَإِنَّهُ إذَا الْتَزَمَ مَذْهَبًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَهُ لَهُ وَعَلَيْهِ. وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الَّذِي لَهُ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ وَعِنْدَ الَّذِي عَلَيْهِ يَعْتَقِدُ فَسَادَهَا فَهَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَا سَائِغٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَمَنْ أَصَرَّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَهُوَ ظَالِمٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ هُوَ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ.