وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَأْذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ رَقِيقَهُ حَرَامًا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ يَحْرُمُ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ} " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ {ابْنِ أَبِي جحيفة قَالَ: رَأَيْت أَبِي اشْتَرَى حَجَّامًا فَأَمَرَ بِمَحَاجِمِهِ فَكُسِرَتْ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ} . قَالَ هَؤُلَاءِ: فَتَسْمِيَتُهُ خَبِيثًا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ كَتَحْرِيمِ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. قَالَ الْأَوَّلُونَ: قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " {مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ الْخَبِيثَتَيْنِ فَلَا يَقْرَبَن مَسْجِدَنَا} " فَسَمَّاهُمَا خَبِيثَتَيْنِ بِخُبْثِ رِيحِهِمَا وَلَيْسَتَا حَرَامًا. وَقَالَ: " {لَا يُصَلِّيَن أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثِينَ} أَيْ: الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ. فَيَكُونُ تَسْمِيَتُهُ خَبِيثًا لِمُلَاقَاةِ صَاحِبِهِ النَّجَاسَةَ؛ لَا لِتَحْرِيمِهِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ الرَّقِيقَ وَالْبَهَائِمَ. وَمَهْرُ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يُطْعَمُ مِنْهُ رَقِيقٌ وَلَا بَهِيمَةٌ. وَبِكُلِّ حَالٍ فَحَالُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لَيْسَتْ كَحَالِ الْمُسْتَغْنِي عَنْهُ كَمَا قَالَ السَّلَفُ: كَسْبٌ فِيهِ بَعْضُ الدَّنَاءَةِ خَيْرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ. وَلِهَذَا لَمَّا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute