فَجَعَلَ يَقُولُ: أَتَسْمَعُ يَا نَافِعُ؟ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ رَفَعَ إصْبَعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ} وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَمَّا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا. فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ أَبَاحَ الشبابة لَا سِيَّمَا وَمَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّ الشبابة حَرَامٌ. وَلَمْ يَتَنَازَعْ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ إلَّا مُتَأَخِّرِي الْخُرَاسَانِيِّين مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِيهَا وَجْهَيْنِ. وَأَمَّا الْعِرَاقِيُّونَ - وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِهِ - فَقَطَعُوا بِالتَّحْرِيمِ كَمَا قَطَعَ بِهِ سَائِر الْمَذَاهِبِ. وَبِكُلِّ حَالٍ فَهَذَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ فِي مَذْهَبِهِ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيِّ: الْغِنَاءُ مَكْرُوهٌ يُشْبِهُ الْبَاطِلَ وَمَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ سَفِيهٌ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ. وَقَالَ أَيْضًا: خَلَفْت فِي بَغْدَادَ شَيْئًا أَحْدَثَهُ الزَّنَادِقَةُ يُسَمُّونَهُ " التَّغْبِيرَ " يَصُدُّونَ بِهِ النَّاسَ عَنْ الْقُرْآنِ. وَآلَاتُ الْمَلَاهِي لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا وَلَا الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. فَهَذَا الْحَدِيثُ إنْ كَانَ ثَابِتًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى إبَاحَةِ الشبابة؛ بَلْ هُوَ عَلَى النَّهْيِ عَنْهَا أَوْلَى مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الِاسْتِمَاعُ لَا السَّمَاعُ فَالرَّجُلُ لَوْ يَسْمَعُ الْكُفْرَ وَالْكَذِبَ وَالْغِيبَةَ وَالْغِنَاءَ والشبابة مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ؛ بَلْ كَانَ مُجْتَازًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute