الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؛ فَإِنَّهُ قَبِلَ حَدِيقَةَ أسيد بْنِ حضير ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَخَذَ الْقِبَالَةَ فَوَفَّى بِهَا دَيْنَهُ. رَوَى ذَلِكَ حَرْبٌ الكرماني صَاحِبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مَسَائِلِهِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَحْمَدَ وَرَوَاهُ أَبُو زَرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ عُمَرَ. وَالْحَدَائِقُ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الشَّجَرُ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ عَنْ عُمَرَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ فُقَهَاءِ ظَاهِرِيَّةِ الْمَغْرِبِ وَزَعَمَ أَنَّهُ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ بِشَيْءِ؛ بَلْ ادِّعَاءُ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ أَقْرَبُ؛ فَإِنَّ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ بِمَشْهَدِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ فِي مَظِنَّةِ الِاشْتِهَارِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ أَنْكَرَهَا وَقَدْ كَانُوا يُنْكِرُونَ مَا هُوَ دُونَهَا وَإِنْ فَعَلَهُ عُمَرَ كَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَغَيْرُهُ مَا فَعَلَهُ مِنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ؛ وَإِنَّمَا هَذِهِ الْقَضِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ تَوْرِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عفان لِامْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الَّتِي بَتَّهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ. وَاَلَّذِي فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ الصَّوَابُ. وَإذَا تَدَبَّرَ الْفَقِيهُ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَالِ لَيْسَ دَاخِلًا فِيمَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يَظْهَرُ بِأُمُورِ: أَحَدُهَا أَنْ يُقَالَ: مَعْلُومٌ أَنَّ الْأَرْضَ يُمْكِنُ فِيهَا الْإِجَارَةُ وَيُمْكِنُ فِيهَا بَيْعُ حَبِّهَا قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ. ثُمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَهْيًا عَنْ إجَارَةِ الْأَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute