قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وَقَالَ تَعَالَى - فِيمَا ذَمَّ بِهِ بَنِي إسْرَائِيلَ - {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} - إلَى قَوْلِهِ - {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} . وَمَنْ أَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ أَخَذَ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ بِدُونِ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعُهُودِ وَالْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ هُوَ التَّقَابُضُ فَكُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ يَطْلُبُ مِنْ الْآخَرِ تَسْلِيمَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ} أَيْ تَتَعَاهَدُونَ وَتَتَعَاقَدُونَ وَهَذَا هُوَ مُوجَبُ الْعُقُودِ وَمُقْتَضَاهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَقْدِ مَا طَلَبَهُ الْآخَرُ وَسَأَلَهُ مِنْهُ. فَالْعُقُودُ مُوجِبَةٌ للقبوض؛ والقبوض هِيَ الْمَسْئُولَةُ الْمَقْصُودَةُ الْمَطْلُوبَةُ؛ وَلِهَذَا تَتِمُّ الْعُقُودُ بِالتَّقَابُضِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرَانِ بَعْدَ التَّقَابُضِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا أَوْ تَحَاكَمَا إلَيْنَا لَمْ نَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ لِانْقِضَاءِ الْعُقُودِ بِمُوجَبَاتِهَا؛ وَلِهَذَا نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَإِيجَابٌ عَلَى النُّفُوسِ بِلَا حُصُولِ مَقْصُودٍ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَلَا لَهُمَا؛ وَلِهَذَا حَرَّمَ اللَّهُ الْمَيْسِرَ الَّذِي مِنْهُ بَيْعُ الْغَرَرِ. وَمِنْ الْغَرَرِ مَا يُمْكِنُهُ قَبْضُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute