للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَفْسِ الزَّرْعِ وَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ كَالْمُشْتَرِي: نَفَى ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَنَقَلَهُ أَصْحَابُنَا. كَالْقَاضِي وَأَبِي مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالُوا - وَاللَّفْظُ لِأَبِي مُحَمَّدٍ -: إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا فَتَلِفَ الزَّرْعُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنَافِعُ الْأَرْضِ وَلَمْ تَتْلَفْ إنَّمَا تَلِفَ مَالُ الْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا فَصَارَ كَدَارِ اسْتَأْجَرَهَا لِيُقَصِّرَ فِيهَا ثِيَابًا فَتَلِفَتْ الثِّيَابُ فِيهَا. فَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْ زَرْعِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ بِزَرْعِ الْمُشْتَرِي وَلِذَلِكَ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَابِ جَوَائِحِ الْأَعْيَانِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّالِفَ إنَّمَا هُوَ عَيْنُ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا الْمَنْفَعَةُ. وَهَذَا حَسَنٌ فِي نَفْيِ ضَمَانِ نَفْسِ الزَّرْعِ. وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا تَلِفَ الزَّرْعُ بَعْدَ كَمَالِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ نَفْسَ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا تَنْقُصُ وَتَتَعَطَّلُ بِمَا يُصِيبُ الزَّرْعَ مِنْ الْآفَةِ فَيَحُطُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ. فَمَا نَفَى فِيهِ الشَّيْخُ الْخِلَافَ ضَمَانَ نَقْصِ الْعَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ ضَمَانَ نَقْصِ الْمَنْفَعَةِ هُنَا؛ لَكِنْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ. وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ اشْتِبَاهٍ وَفِي كَلَامِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا إجْمَالٌ. وَبِمَا حَقَّقْنَاهُ يَتَّضِحُ الصَّوَابُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.