يُقَالَ: قَوْلُهُ: " ثُمَّ " هُوَ الْغَلَطُ؛ فَإِنَّ الْغَلَطَ فِي تَبْدِيلِ حَرْفٍ بِحَرْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَاتِبِ أَوْلَى مِنْ الْغَلَطِ بِذِكْرِ عِدَّةِ كَلِمَاتٍ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ كَلِمَاتٍ. ثُمَّ مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا تَوْكِيدٌ؛ وَالْمُؤَكَّدُ إنَّمَا يُزِيحُ الشُّبْهَةَ؛ فَكَانَ قَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ. أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ. إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدًا وَقَصَدَ التَّوْكِيدَ؛ فَإِنَّ نَقْلَ نَصِيبَ الْمَيِّتِ إلَى إخْوَتِهِ مَعَ وَلَدِهِ تَنْبِيهٌ عَلَى نَقْلِهِ إلَيْهِمْ مَعَ عَدَمِهِمْ. إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيدُ بِبَيَانِ الْحُكْمِ الْجَلِيِّ دُونَ الْخَفِيِّ فَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ حُدُودِ الْعَقْلِ وَالْكَلَامِ. ثُمَّ التَّوْكِيدُ لَا يَكُونُ بِالْأَوْصَافِ الْمُقَيِّدَةِ لِلْمَوْصُوفِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَكْرَمُ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ: أَرَدْت إكْرَامَ جَمِيعِ الرِّجَالِ وَخَصَّصْت الْمُسْلِمِينَ بِالذِّكْرِ تَوْكِيدًا وَذِكْرُهُمْ لَا يَنْفِي غَيْرَهُمْ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِي الِاسْمِ الْأَوَّلِ: لَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ سَاقِطًا غَيْرَ مَقْبُولٍ أَصْلًا؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ صِفَةٌ لِلرِّجَالِ؛ وَالصِّفَةُ تُخَصِّصُ الْمَوْصُوفِ. فَلَا يَبْقَى فِيهِ عُمُومٌ؛ لَكِنْ لَوْ قَالَ: أَكْرَمُ الرِّجَالِ وَالْمُسْلِمِينَ - بِحَرْفِ الْعَطْفِ مَعَ اتِّفَاقِ الْحُكْمِ فِي الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُ بَعْضَهُ - لَكَانَ تَوْكِيدًا؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ لَا يَجِبُ أَنْ يُقَيِّدَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ وَيُخَصِّصَهُ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُغَايَرَةِ الْحَاصِلَةِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ؛ بِخِلَافِ الصِّفَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute