وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الدَّلَالَةَ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: صَلَاحُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ لِتَرْتِيبِ التَّوْزِيعِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمَفْهُومَ يُشْعِرُ بِالِاخْتِصَاصِ. وَهَذَا لَا يُنَازِعُ فِيهِ عَاقِلٌ وَإِنْ نَازَعَ فِي كَوْنِهِ دَلِيلًا. الثَّالِثُ: أَنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنْ التَّوْكِيدِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ؛ وَلَا مِنْ بَابِ تَقْيِيدِ الْكَلَامِ الْمُطْلَقِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ تَفْسِيرِ اللَّفْظِ الَّذِي فِيهِ احْتِمَالُ الْمَعْنَيَيْنِ. فَإِنْ قُلْتُمْ: اللَّفْظُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي تَرْتِيبِ الْجَمْعِ فَهَذَا صَرْفٌ لِلظَّاهِرِ. وَإِنْ قُلْتُمْ: هُوَ مُحْتَمَلٌ أَوْ ظَاهِرٌ فِي التَّوْزِيعِ: مَنَعْنَاكُمْ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يُوصَفُ اللَّفْظُ بِظُهُورِ وَلَا إكْمَالٍ إلَّا عِنْدَ تَمَامِهِ وَالْأَوَّلُ لَمْ يَتِمَّ: فَهَذَا هُوَ الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ قُلْنَا: فِي الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ بَيَانُ أَنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ لَوْ كَانَ نَصًّا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ وَصْلَهُ بِمَا يُقَيِّدُهُ يُبْطِلُ تِلْكَ الدَّلَالَةَ كَمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ قَالَ: إنْ كَانَ فَقِيرًا فَهَذَا لَا يُعَدُّ تَفْسِيرًا لِلَفْظِ مُحْتَمَلٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَقْيِيدٌ. وَفِي هَذَا الدَّلِيلِ بَيَانُ أَنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ مُحْتَمَلٌ لِمَعْنَيَيْنِ وَلَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِظُهُورِ فِي أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَنْفَصِلَ عَمَّا بَعْدَهُ. فَأَمَّا إذَا اتَّصَلَ بِمَا بَعْدَهُ بَيَّنَ ذَلِكَ الْوَصْلُ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute