الثَّانِي: أَنَّا نَقُولُ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ أَفَادَ فِي الطَّبَقَةِ الْأَخِيرَةِ عَدَدَ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى ذَوِي طَبَقَتِهِ. وَالْمُتَوَفَّى عَنْ وَلَدٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ الطَّبَقَةِ. وَهَذَا مَمْنُوعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ تَقَدَّمَا.
الثَّالِثُ: لَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَذَلِكَ مَعْدُودٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ فَائِدَةَ اللَّفْظِ بِمَنْطُوقِهِ نَقْلُ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى طَبَقَتِهِ. وَهَذِهِ فَائِدَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ فِي جَمِيعِ الْجُمَلِ. ثُمَّ إنَّ تَقَيُّدَ الِانْتِقَالِ إلَى الطَّبَقَةِ بِوُجُودِ الْوَلَدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عَنَى تَرْتِيبَ الْأَفْرَادِ. وَهَذِهِ دَلَالَةٌ لُزُومِيَّةٌ. وَاللَّفْظُ إذَا دَلَّ بِالْمُطَابَقَةِ عَلَى مَعْنًى وَبِالِالْتِزَامِ عَلَى مَعْنًى آخَرَ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ الْقِسْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَعَامَّةِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّ كَوْنَهُ دَلِيلًا عَلَى تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ شُرِطَ فِي اسْتِحْقَاقِ الطَّبَقَةِ نَصِيبَ الْمُتَوَفَّى عَدَمُ وَلَدِهِ. ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ تَرْتِيبَ الْمَجْمُوعِ لَمْ يَشْرُطْهُ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ فَإِنَّ تَرْتِيبَ الْمَجْمُوعِ وَاشْتِرَاطَ هَذَا الشَّرْطِ مُتَنَافِيَانِ وَكَوْنَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ يَتَنَافَيَانِ قَضِيَّةً عَقْلِيَّةً فُهِمَتْ بَعْدَ تَصَوُّرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ دَلَّ عَلَيْهِمَا بِالْوَضْعِ. وَهَذَا كَمَا فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} مَعَ قَوْله تَعَالَى {يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} أَنَّ أَقَلَّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute