للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِذَا سُبِيَتْ وَاسْتُرِقَّتْ بِدُونِ زَوْجِهَا جَازَ وَطْؤُهَا بِلَا رَيْبٍ وَإِنَّمَا فِيهِ خِلَافٌ شَاذٌّ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَحُكِيَ الْخِلَافُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَقَعَتْ فِي مِلْكٍ وَلَهَا زَوْجٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الْحَرْبِ أَنَّ نِكَاحَ زَوْجِهَا قَدْ انْفَسَخَ وَحَلَّ لِمَالِكِهَا وَطْؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَمَّا إذَا سُبِيَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَفِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَامَّةَ السَّبْيِ الَّذِي كَانَ يَسْبِيه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي " الْحَرْبِ " وَقَدْ قَاتَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ خَرَجَ لِقِتَالِ النَّصَارَى عَامَ تَبُوكَ وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَقَدْ بَعَثَ إلَيْهِمْ السِّرِّيَّةَ الَّتِي أُمِّرَ عَلَيْهَا زَيْدٌ؛ ثُمَّ جَعْفَرٌ ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ. وَمَعَ هَذَا فَكَانَ فِي النَّصَارَى: الْعَرَبُ وَالرُّومُ. وَكَذَلِكَ قَاتَلَ الْيَهُودَ بِخَيْبَرِ وَالنَّضِيرِ وَقَيْنُقَاعَ؛ وَكَانَ فِي يَهُودِ الْعَرَبِ بَنُو إسْرَائِيلَ. وَكَذَلِكَ يَهُودُ الْيَمَنِ: كَانَ فِيهِمْ الْعَرَبُ وَبَنُو إسْرَائِيلَ. وَأَيْضًا فَسَبَبُ الِاسْتِرْقَاقِ هُوَ " الْكُفْرُ " بِشَرْطِ " الْحَرْبِ " فَالْحُرُّ الْمُسْلِمُ لَا يُسْتَرَقُّ بِحَالِ؛ وَالْمُعَاهَدُ لَا يُسْتَرَقُّ؛ وَالْكُفْرُ مَعَ الْمُحَارَبَةِ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ كَافِرٍ فَجَازَ اسْتِرْقَاقُهُ كَمَا يَجُوزُ قِتَالُهُ؛ فَكُلُّ مَا أَبَاحَ قَتْلَ الْمُقَاتِلَةِ أَبَاحَ سَبْيَ الذُّرِّيَّةِ؛ وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ مِنْ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَد. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَا يُجَوِّزُ اسْتِرْقَاقَ الْعَرَبِ؛ كَمَا لَا يُجَوِّزُ ضَرْبَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْعَرَبَ اُخْتُصُّوا بِشَرَفِ النَّسَبِ؛ لِكَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ