للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذَكَرَ مَا بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَخْلُوقَةِ الشَّرْعِيَّةِ: كَالْوِلَادَةِ وَمِنْ الكسبية الشَّرْطِيَّةِ: كَالنِّكَاحِ ثُمَّ قَالَ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ السَّلَفِ: {تَسَاءَلُونَ بِهِ} تَتَعَاهَدُونَ بِهِ وَتَتَعَاقَدُونَ. وَهُوَ كَمَا قَالُوا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَقْدَ الْبَيْعِ أَوْ النِّكَاحِ أَوْ الْهُدْنَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يَسْأَلُ الْآخَرَ مَطْلُوبَهُ: هَذَا يَطْلُبُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ. وَهَذَا تَسْلِيمَ الثَّمَنِ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ مَطْلُوبَ الْآخَرِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا طَالِبٌ مِنْ الْآخَرِ مُوجِبٌ لِمَطْلُوبِ الْآخَرِ. ثُمَّ قَالَ: {وَالْأَرْحَامَ} . و " الْعُهُودُ " و " الْأَرْحَامُ ": هُمَا جِمَاعُ الْأَسْبَابِ الَّتِي بَيْنَ بَنِي آدَمَ؛ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي بَيْنَهُمْ: إمَّا أَنْ تَكُونَ بِفِعْلِ اللَّهِ أَوْ بِفِعْلِهِمْ. فَالْأَوَّلُ " الْأَرْحَامُ " والثَّانِي " الْعُهُودُ " وَلِهَذَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي مَوَاضِعَ؛ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلًّا وَلَا ذِمَّةً} فَالْإِلُّ: الْقَرَابَةُ وَالرَّحِمُ. وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ. وَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} وَقَالَ: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} إلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} . وَاعْلَمْ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ دَاخِلٌ فِي الْحَقَّيْنِ. وَمُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا؛ وَلِهَذَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ {اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَبْدَ وَخَلَقَ أَبَوَيْهِ وَخَلَقَهُ مِنْ أَبَوَيْهِ. فَالسَّبَبُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ هُوَ الْخِلْقِيُّ التَّامُّ؛ بِخِلَافِ سَبَبِ الْأَبَوَيْنِ؛ فَإِنَّ أَصْلَ مَادَّتِهِ مِنْهُمَا وَلَهُ مَادَّةٌ مِنْ غَيْرِهِمَا؛ ثُمَّ إنَّهُمَا لَمْ يُصَوِّرَاهُ فِي الْأَرْحَامِ. وَالْعَبْدُ لَيْسَ لَهُ مَادَّةٌ إلَّا