عَائِشَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْيَتِيمَةِ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلَيِّهَا وَأَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا إذَا أَقْسَطَ فِي صَدَاقِهَا وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهَا فِي حِجْرِهِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهَا. وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لَا تُنْكَحُ الْيَتِيمَةُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ أَذِنَتْ وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا} فَيَجُوزُ تَزْوِيجُهَا بِإِذْنِهَا وَمَنْعُهُ بِدُونِ إذْنِهَا. وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ} وَلَوْ أُرِيدُ " بِالْيَتِيمِ " مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ: فَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَعُمَّ مَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَمَا بَعْدَهُ. أَمَّا تَخْصِيصُ لَفْظِ " الْيَتِيمِ " بِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ بِحَالِ؛ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ الْمُمَيِّزَ يَصِحُّ لَفْظُهُ مَعَ إذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَكَمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ: عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ بِقَوْلِهِ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} الْآيَةَ. فَأَمَرَ بِالِابْتِلَاءِ قَبْلَ الْبُلُوغِ؛ وَذَلِكَ قَدْ لَا يَأْتِي إلَّا بِالْبَيْعِ - وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَتَدْبِيرُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ - وَكَذَلِكَ إسْلَامُهُ؛ كَمَا يَصِحُّ صَوْمُهُ وَصَلَاتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ. فَإِذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِإِذْنِهَا مِنْ كُفُؤٍ جَازَ وَكَانَ هَذَا تَصَرُّفًا بِإِذْنِهَا وَهُوَ مَصْلَحَةٌ لَهَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ مُصَحِّحٌ لِتَصَرُّفِ الْمُمَيِّزِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute