{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} الْآيَةُ: يَتَنَاوَلُ مَا يُسَمَّى بِنْتًا حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ بِنْتُ بِنْتِهِ وَبِنْتُ ابْنِهِ؛ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْفَرَائِضِ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَهُ وَوَلَدَ ابْنِهِ لَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَ بِنْتِهِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ لَفْظُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ يَتَنَاوَلُ مَا يُسَمَّى بِذَلِكَ مُطْلَقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} لِيُحْرِزَ عَنْ الِابْنِ الْمُتَبَنَّى - كَزَيْدِ - الَّذِي كَانَ يُدْعَى: زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ. فَإِنَّ هَذَا كَانُوا يُسَمُّونَهُ " ابْنًا " فَلَوْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ لَظُنَّ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ؛ فَقَالَ تَعَالَى {الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} لِيُخْرِجَ ذَلِكَ. وَأَبَاحَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ مَنْ تَبَنَّاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} . فَإِذَا كَانَ لَفْظُ " الِابْنِ " و " الْبِنْتِ " يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الشَّخْصِ حَتَّى قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ بِنْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ: فَبِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا تُسَمَّى " بِنْتَه " فَهِيَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ شَرْعًا وَأَوْلَى أَنْ يُدْخِلُوهَا فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهِ وَجَمَاهِيرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّ النِّزَاعَ الْمَشْهُورَ بَيْن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الزِّنَا هَلْ يَنْشُرُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؛ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهَا وَبِنْتِهَا مِنْ غَيْرِهِ؟ فَهَذِهِ فِيهَا نِزَاعٌ قَدِيمٌ بَيْنَ السَّلَفِ؛ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى كُلِّ قَوْلٍ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: يُبِيحُونَ ذَلِكَ؛ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَمَالِكٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: يُحَرِّمُونَ ذَلِكَ. فَهَذِهِ إذَا قَلَّدَ الْإِنْسَانُ فِيهَا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ جَازَ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute