وَأَظُنُّ. هَذَا يُذْكَرُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْوَثَنِيَّةِ نِزَاعًا. وَأَمَّا الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ فَلَيْسَ فِي وَطْئِهَا مَعَ إبَاحَةِ التَّزَوُّجِ بِهِنَّ نِزَاعٌ؛ بَلْ فِي التَّزَوُّجِ بِهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ. وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِ التَّزَوُّجِ بِهِنَّ مَعَ الْمَنْعِ مِنْ التَّسَرِّي بِهِنَّ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ وَلَا يَقُولُهُ فَقِيهٌ. وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ التَّسَرِّي بِهِنَّ وُجُوهٌ: " أَحَدُهَا " أَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ وَلَمْ يَقُمْ عَلَى تَحْرِيمِهِنَّ دَلِيلٌ مِنْ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ فَبَقِيَ حِلُّ وَطْئِهِنَّ عَلَى الْأَصْلِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يُنَازِعُ فِي حِلِّ نِكَاحِهِنَّ كَقَوْلِهِ: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} وَقَوْلِهِ: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} إنَّمَا يَتَنَاوَلُ النِّكَاحَ؛ لَا يَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السُّنَّةِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهُنَّ فَيَبْقَى الْحِلُّ عَلَى الْأَصْلِ. " الثَّانِي " أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} يَقْتَضِي عُمُومَ جَوَازِ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مُطْلَقًا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الدَّلِيلُ؛ حَتَّى إنَّ عُثْمَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ جَعَلُوا مِثْلَ هَذَا النَّصِّ مُتَنَاوِلًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ حِينَ قَالُوا: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ. فَإِذَا كَانُوا قَدْ جَعَلُوهُ عَامًّا فِي صُورَةٍ حُرِّمَ فِيهَا النِّكَاحُ فَلَأَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي صُورَةٍ لَا يَحْرُمُ فِيهَا النِّكَاحُ أَوْلَى وَأَحْرَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute