وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي " الْمُخْتَلَعَةِ " هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ؟ أَوْ تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ " إحْدَاهُمَا " تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةِ وَهَذَا قَوْلُ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَابْنِ عُمَرَ فِي آخِرِ رِوَايَتَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ؛ وَمَذْهَبُ إسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّنَنِ مِنْ وُجُوهٍ حَسَنَةٍ كَمَا قَدْ بُيِّنَتْ طُرُقُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَقَالُوا لَوْ كَانَ مِنْهُ لَوَجَبَ فِيهِ تَرَبُّصُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاحْتَجُّوا بِهِ عَلَى ضَعْفِ مَنْ نَقَلَ عَنْ عُثْمَانَ؛ أَنَّهُ جَعَلَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَرْضِيِّ أَنَّهُ جَعَلَهَا تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةِ وَلَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً لَوَجَبَ عَلَيْهَا تَرَبُّصُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ. وَإِنْ قِيلَ: بَلْ عُثْمَانُ جَعَلَهَا مُطَلَّقَةً تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةِ. فَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَاتِّبَاعُ عُثْمَانَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ عَنْهُ الَّتِي يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ: أَوْلَى مِنْ رِوَايَةٍ رَاوِيهَا مَجْهُولٌ وَهِيَ رِوَايَةُ جمهان الأسلمي عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً. وَأَجْوَدُ مَا عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً مِنْ النَّقْلِ عَنْ الصَّحَابَةِ هُوَ هَذَا النَّقْلُ عَنْ عُثْمَانَ وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ مَا يُنَاقِضُهُ فَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ خِلَافِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute