للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَمَّمَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْفِدَاءَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَلَا عَيَّنَ لَهُ لَفْظًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَكْثَرُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ؛ بَلْ الْعَامَّةُ لَا تَعْرِفُ لَفْظَ الْفَسْخِ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُعَلِّمْهَا ذَلِكَ مُعَلِّمٌ وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ؛ بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إذَا قِيلَ لَهُ: خَالِعْ امْرَأَتَك. طَلَّقَهَا بِلَا عِوَضٍ وَقَالَ: قَدْ خَلَعْتهَا. فَلَا يَعْرِفُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ إنْ لَمْ يُذْكَرْ لَهُمْ الْغَرَضُ فِي أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ.

وَأَهْلُ الْيَمَنِ إلَى الْيَوْمِ تَقُولُ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي. فَيَقُولُ لَهَا: اُبْذُلِي لِي فَتَبْذُلُ لَهُ الصَّدَاقَ أَوْ غَيْرَهُ فَيُطَلِّقُهَا. فَهَذَا عَامَّةُ طَلَاقِهِمْ وَقَدّ أَفْتَاهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ هَذَا فِدْيَةٌ وَفِرَاقٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقِ. وَرَدَّ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ وَفِدَاءٍ مَرَّةً. فَهَذَا نَقْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفُتْيَاهُ وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْقُرْآنِ بِمَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ. وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ مُقْتَضَى نُصُوصِ أَحْمَد وَأُصُولُهُ فَهُوَ مُقْتَضَى أُصُولِ الشَّرْعِ وَنُصُوصِ الشَّارِعِ؛ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ بِمَقَاصِدِهَا وَمَعَانِيهَا؛ لَا بِأَلْفَاظِهَا. فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِاللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ اخْتِلَافُ حُكْمِهِمَا. وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى الْوَاحِدُ إنْ شَاءَ الْعَبْدُ جَعَلَهُ طَلَاقًا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا كَانَ تَلَاعُبًا وَهَذَا بَاطِلٌ وَقَدْ أَوْرَدُوا عَلَى هَذَا: أَنَّ الْمُعْتَقَةَ تَحْتَهُ إذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَإِنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَلَهَا أَنْ تَفْسَخَ النِّكَاحَ لِأَجْلِ عِتْقِهَا. قَالُوا: فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ مَعَ الْعِوَضِ يَمْلِكُ إيقَاعَ فَسْخٍ وَيَمْلِكُ إيقَاعَ طَلَاقٍ. وَهَذَا الْقِيَاسُ ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ هَذِهِ إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا إنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا: فَتَكُونُ مُخَيَّرَةً بَيْنَ