للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَعُلِمَ أَنَّ اللَّعْنَةَ لِمَنْ قَصَدَ التَّحْلِيلَ. وَعُلِمَ أَنَّ الْمَلْعُونَ لَمْ يُحَلِّلْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَدَلَّتْ اللَّعْنَةُ عَلَى تَحْرِيمِ فِعْلِهِ وَالْمُنَازِعُ يَقُولُ فِعْلُهُ مُبَاحٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ مَعَهُمْ بَلْ الصَّوَابُ مَعَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَمَنْ خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَوَابٌ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضَ كَمَا تَنَاقَضَ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذِهِ. وَالْأُصُولُ الَّتِي لَا تَنَاقُضَ فِيهَا مَا أَثْبَتَ بِنَصِّ أَوْ إجْمَاعٍ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَالتَّنَاقُضُ مَوْجُودٌ فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً عَلَى أَحَدٍ. وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَتَنَاقَضُ هُوَ مُوَافِقٌ لِلنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ؛ بَلْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ قَدْ دَلَّ عَلَى الْحُكْمِ؛ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَهَذَا مَعْنَى الْعِصْمَةِ؛ فَإِنَّ كَلَامَ الْمَعْصُومِ لَا يَتَنَاقَضُ وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ فِيمَا بَلَّغَهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مَعْصُومٌ فِيمَا شَرَعَهُ لِلْأُمَّةِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَكَذَلِكَ الْأُمَّةُ أَيْضًا مَعْصُومَةٌ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ؛ بِخِلَافِ مَا سِوَى ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ الْإِيمَانَ بِهِ وَطَاعَتَهُ وَتَحْلِيلَ مَا حَلَّلَهُ وَتَحْرِيمَ مَا حَرَّمَهُ وَهُوَ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ. فَالْمُؤْمِنُونَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ الْهُدَى وَالرَّشَادِ: هُمْ مُتَّبِعُونَ. وَالْكُفَّارُ أَهْلُ النَّارِ وَأَهْلُ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ هُمْ الَّذِينَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ.