للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذَا الْقَصْدُ كَمَا هُوَ لِلْبَهَائِمِ وَمَعَ هَذَا فَأَصْوَاتُهُمْ وَأَلْفَاظُهُمْ بَاطِلَةٌ مَعَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ؛ لَكِنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ وَالْمَجْنُونَ الَّذِي يُمَيِّزُ أَحْيَانًا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ حِينَ التَّمْيِيزِ. " الْخَامِسُ " أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَالْإِخْبَارِ؛ لَا مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ: وَذَلِكَ أَنَّ كَوْنَ السَّكْرَانَ مُعَاقَبًا أَوْ غَيْرَ مُعَاقَبٍ لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِصِحَّةِ عُقُودِهِ وَفَسَادِهَا؛ فَإِنَّ الْعُقُودَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُثَابُ عَلَيْهَا وَلَا الْجِنَايَاتِ الَّتِي يُعَاقَبُ عَلَيْهَا؛ بَلْ هِيَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَالْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَهِيَ مِنْ لَوَازِمِ وُجُودِ الْخَلْقِ؛ فَإِنَّ الْعُهُودَ وَالْوَفَاءَ بِهَا أَمْرٌ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَةُ الْآدَمِيِّينَ إلَّا بِهَا؛ لِاحْتِيَاجِ بَعْضِ النَّاسِ إلَى بَعْضٍ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ؛ وَإِنَّمَا تَصْدُرُ عَنْ الْعَقْلِ. فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْلٌ وَلَا تَمْيِيزٌ لَمْ يَكُنْ قَدْ عَاهَدَ وَلَا حَلَفَ وَلَا بَاعَ وَلَا نَكَحَ وَلَا طَلَّقَ وَلَا أَعْتَقَ.

يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَانَ كَلَامُ السَّكْرَانِ بَاطِلًا بِالِاتِّفَاقِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا تَكَلَّمَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُكْرِهِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ: هَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي. لَمْ يَكُنْ مُؤَاخَذًا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَمَّا خَلَطَ الْمُخَلِّطُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فِي سُورَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} قَبْلَ النَّهْيِ لَمْ يُعْتَبْ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ لَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ وَعَاهَدُوا وَشَرَطُوا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ بِالِاتِّفَاقِ وَمَنْ سَكِرَ سُكْرًا لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ مِثْلُ أَنْ يَشْرَبَ مَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُسْكِرُهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَأَمَّا مَنْ سَكِرَ بِشُرْبِ مُحَرَّمٍ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَأْثَمُ