الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا. أَوْ إلَّا فَعَلْت كَذَا. وَإِنْ فَعَلْت كَذَا فَنِسَائِي طَوَالِقُ. أَوْ عَبِيدِي أَحْرَارٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَهَذِهِ الْأَيْمَانُ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَهِيَ أَيْمَانٌ مُنْعَقِدَةٌ. وَقَالَ طَائِفَةٌ: بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْحَلِفِ بِالْمَخْلُوقَاتِ فَلَا تَنْعَقِدُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ؛ فَإِنَّ عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُمْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ. وَكَانُوا يَأْمُرُونَ مَنْ حَلَفَ بِالنَّوْعِ الثَّانِي أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَا يَنْهَوْنَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَالنَّذْرِ لِلَّهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ} فَقَوْلُ الْقَائِلِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا. إنْ قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ فَهُوَ يَمِينٌ؛ كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا. أَوْ إنْ أَقْتُلَ فُلَانًا فَعَلَيَّ كَفَّارَةٌ: فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الخراسانيون فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. فَاَلَّذِينَ قَالُوا: هَذَا يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ. مِنْهُمْ مَنْ أَلْزَمَ الْحَالِفَ بِمَا الْتَزَمَهُ فَأَلْزَمَهُ إذَا حَنِثَ بِالنَّذْرِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْحَرَامِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا. وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ النَّذْرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَد وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَبُو ثَوْرٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْأَيْمَانَ كُلُّهَا فِيهَا كَفَّارَةٌ إذَا حَنِثَ وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا حَنِثَ لَا نَذْرٌ وَلَا طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ وَلَا حَرَامٌ. وَهَذَا مَعْنَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ ثَبَتَ النَّقْلُ عَنْهُمْ صَرِيحٌ بِذَلِكَ فِي الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ وَالنَّذْرِ. وَتَعْلِيلُهُمْ وَعُمُومُ كَلَامِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute