قَالَ هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ طَلَاقٌ بَائِنٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الثَّلَاثِ أَصْلًا بَلْ كُلُّ طَلَاقٍ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ. وَقَالَ هَؤُلَاءِ: وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً لَمْ يَقَعْ بِهَا إلَّا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ. قَالُوا: وَتَقْسِيمُ الطَّلَاقِ إلَى رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ تَقْسِيمٌ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَهَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد؛ فَإِنَّ كُلَّ طَلَاقٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا يَقَعُ إلَّا رَجْعِيًّا وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً أَوْ طَلَاقًا بَائِنًا: لَمْ يَقَعْ بِهِ عِنْدَهُمَا إلَّا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَأَمَّا الْخُلْعُ فَفِيهِ نِزَاعٌ فِي مَذْهَبِهِمَا. فَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الصَّحِيحِ طَرَدَ هَذَا الْأَصْلَ وَاسْتَقَامَ قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ كَمَا يَتَنَاقَضُ غَيْرُهُ؛ إلَّا مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد: إنَّ الْخُلْعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَقَعُ طَلَاقًا بَائِنًا فَهَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا فِي الْجُمْلَةِ طَلَاقًا بَائِنًا مَحْسُوبًا مِنْ الثَّلَاثِ فَنَقَضُوا أَصْلَهُمْ الصَّحِيحَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ: إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ كَانَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا؛ لَا بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا بَائِنًا لِمُخَالَفَةِ الْقُرْآنِ؛ وَظَنَّ أَنَّهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ يَكُونُ طَلَاقًا فَجَعَلَهُ رَجْعِيًّا وَهَذَا خَطَأٌ؛ فَإِنَّ مَقْصُودَ الِافْتِدَاءِ لَا يَحْصُلُ إلَّا مَعَ الْبَيْنُونَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ حُصُولُ الْبَيْنُونَةِ بِالْخُلْعِ مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ؛ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهُ جَائِزًا؛ فَقَالَ: لِلزَّوْجِ أَنْ يَرُدَّ الْعِوَضَ وَيُرَاجِعَهَا؛ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجَ وَحْدَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ وَلَكِنْ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى فَسْخِهِ كَالتَّقَايُلِ: فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ آخَرُ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute