لَا يَجُوزُ نَفْيُ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ؛ إذْ الْكَلَامُ يُضَافُ حَقِيقَةً لِمَنْ قَالَهُ مُتَّصِفًا بِهِ مُبْتَدِيًا وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا وَهُوَ كَلَامٌ لِمَنْ اتَّصَفَ بِهِ مُبْتَدِيًا؛ لَا مَنْ بَلَغَهُ مُؤَدِّيًا. فَإِنَّا بِالِاضْطِرَارِ نَعْلَمُ مِنْ دِينِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينِ سَلَفِ الْأُمَّةِ أَنَّ قَائِلًا لَوْ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ - حُرُوفُ الْقُرْآنِ - مَا هِيَ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا الْقُرْآنُ اسْمٌ لِمُجَرَّدِ الْمَعَانِي: لَأَنْكَرُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ غَايَةَ الْإِنْكَارِ وَكَانَ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ جَسَدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ دَاخِلٌ فِي اسْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هَذَا اسْمٌ لِلرُّوحِ دُونَ الْجَسَدِ. أَوْ يَقُولُ: إنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ اسْمًا لِحَرَكَاتِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ؛ وَإِنَّمَا هِيَ اسْمٌ لِأَعْمَالِ الْقَلْبِ فَقَطْ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الشَّهْرَستَانِي - وَهُوَ مِنْ أَخْبَرِ النَّاسِ بِالْمِلَلِ وَالنِّحَلِ وَالْمَقَالَاتِ فِي نِهَايَةِ الْإِقْدَامِ - أَنَّ الْقَوْلَ بِحُدُوثِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ قَوْلٌ مُحْدَثٌ وَأَنَّ مَذْهَبَ سَلَفِ الْأُمَّةِ نَفْيُ الْخَلْقِ عَنْهَا؛ وَهُوَ مِنْ أَعْيَانِ الطَّائِفَةِ الْقَائِلَةِ بِحُدُوثِهَا. وَلَا يَحْسَبُ اللَّبِيبُ أَنَّ فِي الْعَقْلِ أَوْ فِي السَّمْعِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ بَلْ مَنْ تَبَحَّرَ فِي الْمَقُولَاتِ وَوَقَفَ عَلَى أَسْرَارِهَا: عَلِمَ قَطْعًا أَنْ لَيْسَ فِي الْعَقْلِ الصَّرِيحِ الَّذِي لَا يَكْذِبُ قَطُّ مَا يُخَالِفُ مَذْهَبَ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ؛ بَلْ يُخَالِفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute