للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَدْ زَاغَ قَلْبُهُ حَتَّى صَارَ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ الْآيَةِ مَعْنًى فَاسِدٌ مِمَّا يَقْتَضِي حُدُوثًا أَوْ نَقْصًا: فَلَا شَكَّ أَنَّ الظَّاهِرَ لِهَذَا الزايغ غَيْرُ مُرَادٍ. وَإِذَا رَأَيْنَا رَجُلًا يَفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ هَذَا الظَّاهِرَ الْفَاسِدَ قَرَّرْنَا عِنْدَهُ " أَوَّلًا ": أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مَفْهُومًا مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ. ثُمَّ قَرَّرْنَا عِنْدَهُ " ثَانِيًا " أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مَعْنًى فَاسِدٌ. حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ - وَإِنْ كَانَ هَذَا فَرْضُ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ - لَوَجَبَ صَرْفُ الْآيَةِ عَنْ ظَاهِرِهَا كَسَائِرِ الظَّوَاهِرِ الَّتِي عَارَضَهَا مَا أَوْجَبَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا غَيْرُ الظَّاهِرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحَكِّمْ دَلَالَاتِ اللَّفْظِ وَيَعْلَمْ أَنَّ ظُهُورَ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ: تَارَةً يَكُونُ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ؛ أَوْ الْعُرْفِيِّ؛ أَوْ الشَّرْعِيِّ؛ إمَّا فِي الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ وَإِمَّا فِي الْمُرَكَّبَةِ. وَتَارَةً بِمَا اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ الْمُفْرَدِ مِنْ التَّرْكِيبِ الَّذِي تَتَغَيَّرُ بِهِ دَلَالَتُهُ فِي نَفْسِهِ. وَتَارَةً بِمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الَّتِي تَجْعَلُهُ مَجَازًا. وَتَارَةً بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَالُ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ وَالْمُتَكَلَّمِ فِيهِ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ الَّذِي يُعَيِّنُ أَحَدَ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ أَوْ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ مَجَازُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُعْطِي اللَّفْظَ صِفَةَ الظُّهُورِ؛ وَإِلَّا فَقَدْ يَتَخَبَّطُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. نَعَمْ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِاللَّفْظِ قَطُّ شَيْءٌ مِنْ الْقَرَائِنِ الْمُتَّصِلَةِ الَّتِي تُبَيِّنُ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ؛ بَلْ عَلِمَ مُرَادَهُ بِدَلِيلِ آخَرَ لَفْظِيٍّ مُنْفَصِلٍ: فَهُنَا أُرِيدَ بِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ. كَالْعُمُومِ الْمَخْصُوصِ بِدَلِيلِ مُنْفَصِلٍ. وَإِنْ كَانَ الصَّارِفُ عَقْلِيًّا ظَاهِرًا: فَفِي تَسْمِيَةِ الْمُرَادِ خِلَافُ الظَّاهِرِ. خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي " أُصُولِ الْفِقْهِ ".