وَلِهَذَا لَمَّا دَخَلَ الشَّافِعِيُّ مِصْرَ سَأَلَهُ سَائِلٌ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ فَعَلَيَّ الصَّوْمُ. فَأَفْتَاهُ الشَّافِعِيُّ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ قَوْلَ مَالِكٍ: إنَّ عَلَيْهِ الْحَجَّ وَالصَّوْمَ. وَمَعَ هَذَا فَلَمَّا حَنِثَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمُ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ أَفْتَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمُ - الَّذِي هُوَ الْعُمْدَةُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ. وَقَالَ: أَفْتَيْتُك بِقَوْلِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَإِنْ عُدْت أَفْتَيْتُك بِقَوْلِ مَالِكٍ. وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ مَالِكٍ يُرَجِّحُونَ الْإِفْتَاءَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ آخِرًا. وَأَمَّا جُمْهُورُ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ التَّكْفِيرِ وَبَيْنَ فِعْلِ الْمُلْتَزِمِ. وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَةٌ: أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ عَيْنًا وَيَذْكُرُ قَوْلًا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. كَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفْتِينَ أَصْحَابِ مَالِكٍ يُفْتُونَ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَيَحْتَجُّونَ بِمَا رَوَوْهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُلُّ يَمِينٍ وَإِنْ عَظُمَتْ فَكَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ. وَهَذَا قَوْلُ طاوس وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ السَّلَفِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الصَّحَابَةِ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مَسَائِلُ جَلِيلَةٌ تَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ طَوِيلٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute