للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَيْضَ وَالْمَنْعَ فَهُوَ يَحُضُّ نَفْسَهُ أَوْ مَنْ يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَيَمْنَعُ نَفْسَهُ أَوْ مَنْ يَحْلِفُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ مُؤَكَّدٌ بِالْقَسَمِ. فَالْحِنْثُ فِي ذَلِكَ كَالْمَعْصِيَةِ فِي الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ فِي الشَّرِيعَةِ: أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ نَاسِيًا أَوْ مُخْطِئًا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمَنْهِيَّ - كَأَهْلِ التَّأْوِيلِ السَّائِغِ - فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ هَذَا الْفَاعِلُ آثِمًا وَلَا عَاصِيًا كَمَا قَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} فَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ الْيَمِينَ؛ أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ؛ لِتَأْوِيلِ؛ أَوْ غَلَطٍ: كَسَمْعِ وَنَحْوِهِ: لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا الْيَمِينَ فَلَا يَكُونُ حَالِفًا. فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِسَائِرِ الْأَيْمَانِ؛ إذْ الْأَيْمَانُ يَفْتَرِقُ حُكْمُهَا فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ. أَمَّا فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ؛ لَا فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَالِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ تَعْلِيقًا مَحْضًا: كَالتَّعْلِيقِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا مَقْصُودُهُ وُقُوعَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ: كَنَذْرِ التَّبَرُّرِ وَكَالتَّعْلِيقِ عَلَى الْعِوَضِ فِي مِثْلِ الْخُلْعِ؛ وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُ حَضَّ نَفْسِهِ أَوْ مَنْعَ مَنْ حَلَفَ عَلَيْهِ وَمَنْعَ نَفْسِهِ أَوْ مَنْ حَلَفَ عَلَيْهِ؛ كَمَا يَقْصِدُ ذَلِكَ النَّاذِرُ: نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ؛ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى تَسْمِيَةِ ذَلِكَ يَمِينًا وَكَانَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ جَوَازَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي ذَلِكَ؛ بِخِلَافِ الْمَحْضِ فَإِنَّهُ إيقَاعٌ مُؤَقَّتٌ فَلَيْسَ هُوَ يَمِينٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَنْفَعُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ عِنْدَ مَنْ لَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِيقَاعِ: كَمَالِكِ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.