للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و " الْقَوْلُ الثَّانِي " قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: مِنْهَا وَاحِدٌ بِالْعَدَدِ وَسَائِرُهَا بِالْأَهِلَّةِ. وَهَذَا أَقْرَبُ؛ لَكِنْ فِيهِ غَلَطٌ؛ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْمَبْدَأُ عَاشِرَ الْمُحَرَّمِ وَقَدْ نَقَصَ الْمُحَرَّمُ كَانَ تَمَامُهُ تَاسِعَهُ فَيَكُونُ التَّكْمِيلُ أَحَدَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْمُنْتَهِي حَادِيَ عَشَرَ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ غَلَطٌ أَيْضًا. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَى الْأُمِّ إرْضَاعُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {يُرْضِعْنَ} خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ. وَهِيَ مَسْأَلَةُ نِزَاعٍ؛ وَلِهَذَا تَأَوَّلَهَا مَنْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَهَذَا الْأَمْرُ انْصَرَفَ إلَى الْآبَاءِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ الِاسْتِرْضَاعَ؛ لَا عَلَى الْوَالِدَاتِ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} وَقَوْلُهُ: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فَلَوْ كَانَ مُتَحَتِّمًا عَلَى الْوَالِدَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ. فَيُقَالُ: بَلْ الْقُرْآنُ دَلَّ عَلَى أَنَّ لِلِابْنِ عَلَى الْأُمِّ الْفِعْلَ وَعَلَى الْأَبِ النَّفَقَةَ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا تَعَيَّنَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَالْأَجْنَبِيَّةُ تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا. وقَوْله تَعَالَى {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ إتْمَامَ الرَّضَاعِ وَيَجُوزُ الْفِطَامُ قَبْلَ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَصْلَحَةً وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْصَلُ إلَّا بِرِضَى الْأَبَوَيْنِ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْإِتْمَامَ وَالْآخَرُ الْفِصَالَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ لِمَنْ أَرَادَ الْإِتْمَامَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ