الْقَرِيبِ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ لِمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ؛ إلَّا إذَا كَانَ قَدْ اسْتَدَانَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ أَوْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِ حَاكِمٍ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ وَطَلَبَ الرُّجُوعَ بِمَا أَنْفَقَ: فَهَذَا فِي رُجُوعِهِ خِلَافٌ. فَأَمَّا اسْتِقْرَارُهَا فِي الذِّمَّةِ بِمُجَرَّدِ الْفَرْضِ - إمَّا بِإِنْفَاقِ مُتَبَرِّعٍ أَوْ بِكَسْبِهِ كَمَا يُقَالُ مِثْلُهُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ - فَمَا عَلِمْت لَهُ قَائِلًا فَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ لَمْ يُلْزَمْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ وَلِمَنْ أَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَخَذَهُ. وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ؛ وَإِنْ قَضَى بِهَا الْقَاضِي؛ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً فَصَارَ كَإِذْنِ الْغَائِبِ؛ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي هَلْ يَصِيرُ بِهِ دَيْنًا؟ رِوَايَتَيْنِ؛ لَكِنْ حَمَلُوا رِوَايَةَ الْوُجُوبِ عَلَى مَا إذَا أَمَرَ بِالِاسْتِدَانَةِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ. وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا وَتَمَرَّدَ وَامْتَنَعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ فَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ يَأْمُرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ فَأَمَرَهَا الْقَاضِي بِذَلِكَ وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي كَأَمْرِهِ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي لَهَا بِالنَّفَقَةِ فَأَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهَا فِي النَّفَقَةِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَكَانَتْ فَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ لِتَأْكِيدِ حَقِّهَا فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ. لَكِنْ لَوْ أَمَرَ الْقَرِيبَ بِالِاسْتِدَانَةِ وَلَمْ يَسْتَدِنْ؛ بَلْ اسْتَغْنَى بِنَفَقَةِ مُتَبَرِّعٍ؛ أَوْ بِكَسْبِ لَهُ: فَقَدْ فَهِمَ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لِإِطْلَاقِهِمْ الْأَمْرَ بِالِاسْتِدَانَةِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ وُجُودِ الِاسْتِدَانَةِ وَغَيْرُهُ إنَّمَا فَهِمَ أَنَّ الِاسْتِدَانَةَ لِأَجْلِ وُجُودِ الِاسْتِدَانَةِ. وَأَمَّا الْإِذْنُ فِي الِاسْتِدَانَةِ مِنْ غَيْرِ وُجُودِهَا لَا يُصَيِّرُ الْمَأْذُونَ فِيهِ دَيْنًا حَتَّى يُسْتَدَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute