و " أَيْضًا " يَأْمُرُونَ الْمَرْأَةَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ تَجْمَعَ وَلَا تُجَافِيَ بَيْنَ أَعْضَائِهَا وَتَتَرَبَّعَ وَلَا تَفْتَرِشَ وَفِي الْإِحْرَامِ لَا تَرْفَعَ صَوْتَهَا إلَّا بِقَدْرِ مَا تَسْمَعُ رَفِيقَتُهَا وَأَنْ لَا تَرْقَى فَوْقَ الصَّفَا والمروة. كُلُّ ذَلِكَ لِتَحْقِيقِ سَتْرِهَا وَصِيَانَتِهَا وَنُهِيَتْ أَنْ تُسَافِرَ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ؛ لِحَاجَتِهَا فِي حِفْظِهَا إلَى الرِّجَالِ مَعَ كِبَرِهَا وَمَعْرِفَتِهَا. فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً مُمَيِّزَةً وَقَدْ بَلَغَتْ سِنَّ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ فِيهَا وَهِيَ قَابِلَةٌ لِلِانْخِدَاعِ وَفِي الْحَدِيثِ {النِّسَاءُ لَحْمٌ عَلَى وظم إلَّا مَا ذُبَّ عَنْهُ.} فَهَذَا قِيَاسُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ الْمُمَيِّزَةِ مِنْ أَحْوَجِ النِّسَاءِ إلَى حِفْظِهَا وَصَوْنِهَا وَتَرَدُّدُهَا بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ مِمَّا يُخِلُّ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا هِيَ لَا يَجْتَمِعُ قَلْبُهَا عَلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ وَلَا يَجْتَمِعُ قَلْبُ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ عَلَى حِفْظِهَا. وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ تَمْكِينَهَا مِنْ اخْتِيَارِ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً يُخِلُّ بِكَمَالِ حِفْظِهَا وَهُوَ ذَرِيعَةٌ إلَى ظُهُورِهَا وَبُرُوزِهَا فَكَانَ الْأَصْلَحُ لَهَا أَنْ تُجْعَلَ عِنْدَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ مُطْلَقًا لَا تُمَكَّنُ مِنْ التَّخْيِيرِ كَمَا قَالَ ذَلِكَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ: مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ فِي تَخْيِيرِهَا نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ بَيْنَ تَخْيِيرِهَا وَتَخْيِيرِ الِابْنِ؛ لَا سِيَّمَا وَالذَّكَرُ مَحْبُوبٌ مَرْغُوبٌ وَالْبِنْتُ مَزْهُودٌ فِيهَا. فَأَحَدُ الْوَالِدَيْنِ قَدْ يَزْهَدُ فِيهَا مَعَ رَغْبَتِهَا فِيهِ فَكَيْفَ مَعَ زُهْدِهَا فِيهِ فَالْأَصْلَحُ لَهَا لُزُومُ أَحَدِهِمَا؛ لَا التَّرَدُّدُ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ هُنَاكَ يَحْصُلُ الِاجْتِهَادُ فِي تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا: فَمَنْ عَيَّنَ الْأُمَّ كَمَالِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يُرَاعُوا مَعَ ذَلِكَ صِيَانَةَ الْأُمِّ لَهَا وَلِهَذَا قَالُوا مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَغَيْرُهُمَا: إذَا لَمْ تَكُنْ الْأُمُّ فِي مَوْضِعِ حِرْزٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute