للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضَتْ بِالْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ مُتَعَذِّرَةٌ. فَيُقَالُ: لَا بُدَّ لِهَذِهِ الْجِنَايَةِ مِنْ عُقُوبَةٍ: إمَّا قِصَاصٌ وَإِمَّا تَعْزِيرٌ. فَإِذَا جُوِّزَ أَنْ يُعَزَّزَ تَعْزِيرًا غَيْرَ مَضْبُوطِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ فَلَأَنْ يُعَاقِبَ إلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الضَّبْطِ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَالْعَدْلُ فِي الْقِصَاصِ مُعْتَبَرٌ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الضَّارِبَ إذَا ضُرِبَ ضَرْبَةً مِثْلَ ضَرْبَتِهِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا كَانَ هَذَا أَقْرَبَ إلَى الْعَدْلِ مِنْ أَنْ يُعَزَّرَ بِالضَّرْبِ بِالسَّوْطِ؛ فَاَلَّذِي يَمْنَعُ الْقِصَاصَ فِي ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ الظُّلْمِ يُبِيحُ مَا هُوَ أَعْظَمُ ظُلْمًا مِمَّا فَرَّ مِنْهُ. فَعُلِمَ أَنَّمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَعْدَلُ وَأَمْثَلُ. وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَسُبَّهُ كَمَا يَسُبُّهُ: مِثْلَ أَنْ يَلْعَنَهُ كَمَا يَلْعَنُهُ. أَوْ يَقُولُ: قَبَّحَك اللَّهُ. فَيَقُولُ: قَبَّحَك اللَّهُ. أَوْ: أَخْزَاك اللَّهُ. فَيَقُولُ لَهُ: أَخْزَاك اللَّهُ. أَوْ يَقُولُ: يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ فَيَقُولُ: يَا كَلْبُ يَا خِنْزِيرُ فَأَمَّا إذَا كَانَ مُحَرَّمَ الْجِنْسِ مِثْلَ تَكْفِيرِهِ أَوْ الْكَذِبِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَهُ وَلَا يَكْذِبَ عَلَيْهِ. وَإِذَا لَعَنَ أَبَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَلْعَنَ أَبَاهُ لِأَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَظْلِمْهُ.