للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ اخْتَصَّ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {اقْتَدُوا بالذين مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ} فَهَذَانِ أُمِرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أُمِرَ بِلُزُومِ سُنَّتِهِمْ. وَفِي هَذَا تَخْصِيصٌ لِلشَّيْخَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ " أَحَدُهُمَا " أَنَّ " السُّنَّةَ " مَا سَنُّوهُ لِلنَّاسِ. وَأَمَّا " الْقُدْوَةُ " فَيَدْخُلُ فِيهَا الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا فِيمَا فَعَلَاهُ مِمَّا لَمْ يَجْعَلُوهُ سُنَّةً " الثَّانِي " أَنَّ السُّنَّةَ أَضَافَهَا إلَى الْخُلَفَاءِ؛ لَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ. فَقَدْ يُقَالُ: أَمَّا ذَلِكَ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ؛ دُونَ مَا انْفَرَدَ بِهِ بَعْضُهُمْ. وَأَمَّا الْقُدْوَةُ فَعَيْنُ الْقُدْوَةِ بِهَذَا وَبِهَذَا. وَفِي هَذَا الْوَجْهِ نَظَرٌ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا. أَنَّ مَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ مِنْ الِاجْتِهَادِ الَّذِي سَبَقَهُمَا بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَلَّتْ النُّصُوصُ وَمُوَافَقَةُ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ عَلَى رُجْحَانِهِ وَكَانَ سَبَبَهُ افْتِرَاقُ الْأُمَّةِ: لَا يُؤْمَرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فِيهِ؛ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ سَاسَا الْأُمَّةَ بِالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ وَسَلِمَا مِنْ التَّأْوِيلِ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ. وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَلَّبَ الرَّغْبَةَ وَتَأَوَّلَ فِي الْأَمْوَالِ. وَعَلِيٌّ غَلَّبَ الرَّهْبَةَ وَتَأَوَّلَ فِي الدِّمَاءِ. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَمُلَ زُهْدُهُمَا فِي الْمَالِ وَالرِّيَاسَةِ. وَعُثْمَانُ كَمُلَ زُهْدُهُ فِي الرِّيَاسَةِ. وَعَلِيٌّ كَمُلَ زُهْدُهُ فِي الْمَالِ.