للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْ يُبِيحُ الْمُلْكَ مُطْلَقًا؛ مِنْ غَيْرِ تَقَيُّدٍ بِسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ؛ كَمَا هُوَ فِعْلُ الظَّلَمَةِ وَالْإِبَاحِيَّةِ وَأَفْرَادِ الْمُرْجِئَةِ. وَهَذَا تَفْصِيلٌ جَيِّدٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ. و " تَحْقِيقُ الْأَمْرِ " أَنْ يُقَالَ: انْتِقَالُ الْأَمْرِ عَنْ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ إلَى الْمُلْكِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِعَجْزِ الْعِبَادِ عَنْ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ أَوْ اجْتِهَادٍ سَائِغٍ أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ عِلْمًا وَعَمَلًا؛ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعَجْزِ عِلْمًا أَوْ عَمَلًا كَانَ ذُو الْمُلْكِ مَعْذُورًا فِي ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ وَاجِبَةً مَعَ الْقُدْرَةِ؛ كَمَا تَسْقُطُ سَائِرُ الْوَاجِبَاتِ مَعَ الْعَجْزِ كَحَالِ النَّجَاشِيِّ لَمَّا أَسْلَمَ وَعَجَزَ عَنْ إظْهَارِ ذَلِكَ فِي قَوْمِهِ؛ بَلْ حَالُ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ تُشْبِهُ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ؛ لَكِنَّ الْمُلْكَ كَانَ جَائِزًا لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ كدَاوُد وَسُلَيْمَانَ وَيُوسُفَ. وَإِنْ كَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَقُدِّرَ أَنَّ خِلَافَةَ النُّبُوَّةِ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَأَنَّ اخْتِيَارَ الْمُلْكِ جَائِزٌ فِي شَرِيعَتِنَا كَجَوَازِهِ فِي غَيْرِ شَرِيعَتِنَا: فَهَذَا التَّقْدِيرُ إذَا فُرِضَ أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا إثْمَ عَلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَيْضًا. وَهَذَا الْوَجْهُ قَدْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي " الْمُعْتَمَدِ " لَمَّا تَكَلَّمَ فِي تَثْبِيتِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى ظُهُورِ إسْلَامِهِ وَعَدَالَتِهِ وَحُسْنِ سِيرَتِهِ وَأَنَّهُ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ لَمَّا عَقَدَهَا الْحَسَنُ لَهُ وَسُمِّيَ ذَلِكَ " عَامُ الْجَمَاعَةِ " وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: {تَدُورُ رَحَا الْإِسْلَامِ عَلَى رَأْسِ خَمْسٍ