وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مِنْ النُّبُوَّةِ مَا يَكُونُ مُلْكًا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ يَكْذِبَ؛ وَلَا يَتَّبِعَ وَلَا يُطَاعَ: فَهُوَ نَبِيٌّ لَمْ يُؤْتَ مُلْكًا. وَإِمَّا أَنْ يُطَاعَ. فَنَفْسُ كَوْنِهِ مُطَاعًا هُوَ مُلْكٌ؛ لَكِنْ إنْ كَانَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِمَا أُمِرَ بِهِ: فَهُوَ عَبْدٌ رَسُولٌ لَيْسَ لَهُ مُلْكٌ. وَإِنْ كَانَ يَأْمُرُ بِمَا يُرِيدُهُ مُبَاحًا لَهُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَلَكِ كَمَا قِيلَ لِسُلَيْمَانَ: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فَهَذَا نَبِيٌّ مَلَكٌ. فَالْمَلَكُ هُنَا قَسِيمُ الْعَبْدِ الرَّسُولِ كَمَا قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اخْتَرْ إمَّا عَبْدًا رَسُولًا وَإِمَّا نَبِيًّا مَلَكًا} . وَأَمَّا بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ " الطَّاعَةُ وَالِاتِّبَاعُ " فَقِسْمٌ مِنْ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَهَؤُلَاءِ أَكْمَلُ. وَهُوَ حَالُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ عَبْدًا رَسُولًا. مُؤَيَّدًا مُطَاعًا مَتْبُوعًا فَأُعْطِيَ فَائِدَةَ كَوْنِهِ مُطَاعًا مَتْبُوعًا لِيَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ اتَّبَعَهُ وَلِيَنْتَفِعَ بِهِ الْخَلْقُ وَيُرْحَمُوا بِهِ. وَيُرْحَمُ بِهِمْ. وَلَمْ يَخْتَرْ أَنْ يَكُونَ مَلَكًا لِئَلَّا يُنْقَصَ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ عَنْ نَصِيبِهِ فِي الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ الرَّسُولَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ النَّبِيِّ الْمَلَكِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَمْرُ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ: أَفْضَلَ مِنْ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ. وَيُوسُفَ حَتَّى إنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ طَعَنَ فِي نُبُوَّةِ دَاوُد وَسُلَيْمَانَ كَمَا يَطْعَنُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي وِلَايَةِ بَعْضِ أَهْلِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ؛ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute