فَأَجَابَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، إنْ كَانَ الْمُنْهَزِمُ قَدْ انْهَزَمَ بِنِيَّةِ التَّوْبَةِ عَنْ الْمُقَاتَلَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالنَّارِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ انْهِزَامُهُ عَجْزًا فَقَطْ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى خَصْمِهِ لَقَتَلَهُ فَهُوَ فِي النَّارِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ} فَإِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ فِي النَّارِ لِأَنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ فَالْمُنْهَزِم بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي الْإِرَادَةِ وَالْفِعْلِ وَالْمَقْتُولُ أَصَابَهُ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَمْ يُصِبْ الْمَهْزُومَ؛ ثُمَّ إذَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ مُكَفِّرَةً لِإِثْمِ الْمُقَاتَلَةِ فَلَأَنْ لَا تَكُونَ مُصِيبَةُ الْهَزِيمَةِ مُكَفِّرَةً أَوْلَى؛ بَلْ إثْمُ الْمُنْهَزِمِ الْمُصِرِّ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ الْمَقْتُولِ فِي الْمَعْرَكَةِ وَاسْتِحْقَاقُهُ لِلنَّارِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ السَّيِّئُ بِمَوْتِهِ؛ وَهَذَا مُصِرٌّ عَلَى الْخُبْثِ الْعَظِيمِ؛ وَلِهَذَا قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ مُنْهَزِمَ الْبُغَاةِ يُقْتَلُ إذَا كَانَ لَهُ طَائِفَةٌ يَأْوِي إلَيْهَا فَيُخَافُ عَوْدُهُ؛ بِخِلَافِ الْمُثْخَنِ بِالْجُرْحِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ. وَسَبَبُهُ أَنَّ هَذَا انْكَفَّ شَرُّهُ وَالْمُنْهَزِمُ لَمْ يَنْكَفْ شَرُّهُ. وَأَيْضًا فَالْمَقْتُولُ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ بِمُصِيبَةِ الْقَتْلِ قَدْ يُخَفَّفُ عَنْهُ الْعَذَابُ؛ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَمُصِيبَةُ الْهَزِيمَةِ دُونَ مُصِيبَةِ الْقَتْلِ. فَظَهَرَ أَنَّ الْمَهْزُومَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمَقْتُولِ إذَا كَانَ مُصِرًّا عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ. وَمَنْ تَابَ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute