الْعَامِ الثَّانِي، وَأَنْزَلَ فِي ذَلِك: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} وَذَلِك كُلُّهُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ. فَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ " سُورَةَ الْفَتْحِ " نَزَلَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا بَيِّنًا. " وَالْمَقْصُودُ " أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَحِبُوهُ قَبْلَ الْفَتْحِ اخْتَصُّوا مِنْ الصُّحْبَةِ بِمَا اسْتَحَقُّوا بَهْ التَّفْضِيلَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، حَتَّى قَالَ لِخَالِدِ: {لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي} فَإِنَّهُمْ صَحِبُوهُ قَبْلَ أَنْ يَصْحَبَهُ خَالِدٌ وَأَمْثَالُهُ. وَلَمَّا كَانَ " لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَزِيَّةِ الصُّحْبَةِ مَا تَمَيَّزَ بَهْ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ خَصَّهُ بِذَلِك فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ {كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَلَامٌ، فَطَلَبَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ عُمَرَ أَنَّ يَسْتَغْفِرَ لَهُ فَامْتَنَعَ عُمَرُ، وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ مَا جَرَى، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَخَرَجَ يَطْلُبُ أَبَا بَكْرٍ فِي بَيْتِهِ، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاءَ عُمَرُ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْضَبُ لِأَبِي بَكْرٍ؛ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي جِئْت إلَيْكُمْ فَقُلْت: إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ كَذَبْت، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقْت فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي} فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا. فَهُنَا خَصَّهُ بِاسْمِ الصُّحْبَةِ، كَمَا خَصَّهُ بَهْ الْقُرْآنُ فِي قَوْله تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute