عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُكَفَّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَفَرَ هَؤُلَاءِ لَزِمَ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنْبَلِيَّةِ، وَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالتَّفْسِيرِ، وَالصُّوفِيَّةِ: الَّذِينَ لَيْسُوا كُفَّارًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ أَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بِذَلِك. فَاَلَّذِي حَكَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ قَدْ قَالَ مِثْلَهُ أَئِمَّةُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَصْحَابُ الْوُجُوهِ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَبِي حَامِدٍ، كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الإسفراييني، الَّذِي هُوَ إمَامُ الْمَذْهَبِ بَعْدَ الشَّافِعِيِّ، وَابْنُ سُرَيْجٍ فِي تَعْلِيقِهِ: وَذَلِك أَنَّ عِنْدَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ كَمَا يَجُوزُ عَلَيْنَا وَلَكِنَّ الْفَرَقَ بَيْنَنَا أَنَّا نَقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقِرُّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَسْهُو لِيَسُنَّ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {إنَّمَا أَسْهُو لِأَسُنَّ لَكُمْ} . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ ذَكَرَهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ هَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَأَبُو الطَّيِّبِ الطبري، وَالشَّيْخُ أَبُو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيّ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَهَا بَقِيَّةُ طَوَائِفِ أَهْلِ الْعِلْمِ: مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَد، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى إجْمَاعَ السَّلَفِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الخطابي وَنَحْوِهِ؛ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ، وَمَنْ كَفَّرَهُمْ بِذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ الْغَلِيظَةَ الَّتِي تَزْجُرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute