وَهَؤُلَاءِ الْأَجْنَاسُ وَإِنْ كَانُوا قَدْ كَثُرُوا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلِقِلَّةِ دُعَاةِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَفُتُورِ آثَارِ الرِّسَالَةِ فِي أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنْ آثَارِ الرِّسَالَةِ وَمِيرَاثِ النُّبُوَّةِ مَا يَعْرِفُونَ بِهِ الْهُدَى وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ. وَفِي أَوْقَاتِ الْفَتَرَاتِ وَأَمْكِنَةِ الْفَتَرَاتِ: يُثَابُ الرَّجُلُ عَلَى مَا مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ الْقَلِيلِ وَيَغْفِرُ اللَّهُ فِيهِ لِمَنْ لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا لَا يَغْفِرُ بِهِ لِمَنْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ: " {يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَعْرِفُونَ فِيهِ صَلَاةً وَلَا صِيَامًا وَلَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً إلَّا الشَّيْخَ الْكَبِيرَ؛ وَالْعَجُوزَ الْكَبِيرَةَ. وَيَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا وَهُمْ يَقُولُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقِيلَ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ فَقَالَ: تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ} . وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقَالَةَ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ يُقَالُ هِيَ كُفْرٌ قَوْلًا يُطْلَقُ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الدَّلَائِلُ الشَّرْعِيَّةُ؛ فَإِنَّ " الْإِيمَانَ " مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَلَقَّاةِ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْكُمُ فِيهِ النَّاسُ بِظُنُونِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ. وَلَا يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ فِي كُلِّ شَخْصٍ قَالَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَافِرٌ حَتَّى يَثْبُتَ فِي حَقِّهِ شُرُوطُ التَّكْفِيرِ وَتَنْتَفِي مَوَانِعُهُ مِثْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْخَمْرَ أَوْ الرِّبَا حَلَالٌ؛ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ؛ أَوْ لِنُشُوئِهِ فِي بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ أَوْ سَمِعَ كَلَامًا أَنْكَرَهُ وَلَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا أَنَّهُ مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُنْكِرُ أَشْيَاءَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا وَكَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَشُكُّونَ فِي أَشْيَاءَ مِثْلَ رُؤْيَةِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute