فَقَدْ تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي جُبْنِ الْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكِينَ فَلَيْسَ لِمَنْ رَجَّحَ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى صَاحِبِ الْقَوْلِ الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةِ شَرْعِيَّةٍ. وَكَذَلِكَ تَنَازَعُوا فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ وَفِي ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا سَمَّوْا عَلَيْهَا غَيْرَ اللَّهِ وَفِي شَحْمِ الثَّرْبِ وَالْكُلْيَتَيْنِ وَذَبْحِهِمْ لِذَوَاتِ الظُّفْرِ كَالْإِبِلِ وَالْبَطِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَتَنَازَعُوا فِي ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ لِلضَّحَايَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلَ وَقَدْ قَالَ بِكُلِّ قَوْلٍ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَشْهُورِينَ فَمَنْ صَارَ إلَى قَوْلٍ مُقَلِّدًا لِقَائِلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ صَارَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ مُقَلِّدًا لِقَائِلِهِ؛ لَكِنْ إنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَجَبَ الِانْقِيَادُ لِلْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا ظَهَرَتْ. وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يُرْجِعَ قَوْلًا عَلَى قَوْلٍ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَلَا يَتَعَصَّبُ لِقَوْلِ عَلَى قَوْلٍ وَلَا قَائِلٍ عَلَى قَائِلٍ بِغَيْرِ حُجَّةٍ؛ بَلْ مَنْ كَانَ مُقَلِّدًا لَزِمَ حُكْمَ التَّقْلِيدِ؛ فَلَمْ يُرَجِّحْ؛ وَلَمْ يُزَيِّفْ؛ وَلَمْ يُصَوِّبْ؛ وَلَمْ يُخَطِّئْ: وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ مَا يَقُولُهُ سُمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَبِلَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَقٌّ وَرَدَّ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَوَقَفَ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَاوَتَ بَيْنَ النَّاسِ فِي قُوَى الْأَذْهَانِ كَمَا فَاوَتَ بَيْنَهُمْ فِي قُوَى الْأَبْدَانِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَنَحْوُهَا فِيهَا مِنْ أَغْوَارِ الْفِقْهِ وَحَقَائِقِهِ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ عَرَفَ أَقَاوِيلَ الْعُلَمَاءِ وَمَآخِذَهُمْ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا قَوْلَ عَالِمٍ وَاحِدٍ وَحُجَّتَهُ دُونَ قَوْلِ الْعَالِمِ الْآخَرِ وَحُجَّتِهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْعَوَامِّ الْمُقَلِّدِينَ؛ لَا مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُرَجِّحُونَ وَيُزَيِّفُونَ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَهْدِينَا وَإِخْوَانَنَا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute