ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ؛ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَد. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَيْنًا كَمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَد وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَطَائِفَةٌ: بَلْ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَذَا النَّذْرِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّافِعِيَّ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمِصْرِ فَأَفْتَى فِيهَا بِالْكَفَّارَةِ فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذَا قَوْلُك؟ قَالَ: قَوْلُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ. وَذَكَرُوا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَنِثَ ابْنُهُ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ فَأَفْتَاهُ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ بِقَوْلِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَقَالَ: إنْ عُدْت أَفْتَيْتُك بِقَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ الْوَفَاءُ بِهِ. وَلِهَذَا يُفَرِّعُ أَصْحَابُ مَالِكٍ مَسَائِلَ هَذِهِ الْيَمِينِ عَلَى النَّذْرِ؛ لعمومات الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ} وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ جَائِزٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ فَوَجَبَ عِنْدَ ثُبُوتِ شَرْطِهِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ - مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ دِلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ - مَا اعْتَمَدَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ فِي " مَسَائِلِهِ " سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: مَا لَهُ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ؟ قَالَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ. قَالَ: وَسَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الصَّدَقَةِ بِالْمُلْكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَيْمَانِ؟ فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute