فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ فَقَطْ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ مُطْلَقِ الْيَمِينِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ {عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} مُنْصَرِفًا إلَى الْيَمِينِ الْمَعْهُودَةِ عِنْدَهُمْ وَهِيَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَعُمُّ اللَّفْظُ إلَّا الْمَعْرُوفَ عِنْدَهُمْ. وَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ وَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا فَقَدْ عَلَّمَنَا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْيَمِينُ الَّتِي لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً كَالْيَمِينِ بِالْمَخْلُوقَاتِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْيَمِينِ الْمَشْرُوعَةِ؛ لِقَوْلِهِ: {مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ فَلْيَصْمُتْ} وَهَذَا سُؤَالُ مَنْ يَقُولُ كُلُّ يَمِينٍ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَلَا كَفَّارَةَ لَهَا وَلَا حِنْثَ. فَيُقَالُ: لَفْظُ " الْيَمِينِ " شَمِلَ هَذَا كُلَّهُ بِدَلِيلِ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ اسْمَ الْيَمِينِ فِي هَذَا كُلِّهِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " النَّذْرُ حَلِفٌ " وَقَوْلِ الصَّحَابَةِ لِمَنْ حَلَفَ بِالْهَدْيِ وَالْعِتْقِ: كَفِّرْ يَمِينَك. وَكَذَلِكَ فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَلِإِدْخَالِ الْعُلَمَاءِ لِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ} وَيَدُلُّ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} ثُمَّ قَالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} فَاقْتَضَى هَذَا أَنَّ نَفْسَ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ يَمِينٌ كَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَسَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ: إمَّا تَحْرِيمُهُ الْعَسَلَ وَإِمَّا تَحْرِيمُهُ مَارِيَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute