للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ. وَكَانَ سَبَبُ نُزُولِ التَّحْرِيمِ تَحْرِيمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَلَالَ: إمَّا أَمَتَهُ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ وَإِمَّا الْعَسَلَ؛ وَإِمَّا كِلَاهُمَا. وَكَذَلِكَ آيَةُ الْمَائِدَةِ فَإِنَّ طَائِفَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا قَدْ حَرَّمُوا الطَّيِّبَاتِ إمَّا تَبَتُّلًا وَتَرَهُّبًا كَمَا عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ حَتَّى نَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؛ وَإِمَّا غَيْرَ ذَلِكَ. وَبَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِمَنْ حَرَّمَ الْحَلَالَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَخْرَجًا؛ وَأَنَّ الْيَمِينَ الْمُتَضَمِّنَةَ تَحْرِيمَهُ لِلْحَلَالِ لَهُ مِنْهَا مَخْرَجٌ بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ. لَيْسُوا كَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الَّذِينَ كَانُوا إذَا حَرَّمُوا شَيْئًا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُكَفِّرُوا قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} وَلِذَلِكَ قَدْ قِيلَ: إنَّهُمْ كَانُوا إذَا حَلَفُوا عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ لَزِمَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُكَفِّرُوا؛ وَلِهَذَا قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ أَيُّوبَ بِمَا يُحَلِّلُ يَمِينَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كَفَّارَةٌ. فَإِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْأَشْيَاءِ: تَارَةً تَكُونُ حَضًّا وَإِلْزَامًا وَتَارَةً تَكُونُ مَنْعًا وَتَحْرِيمًا. كَمَا أَنَّ عَهْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَحُكْمَهُ عَلَى خَلْقِهِ يَنْقَسِمُ إلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَلِذَا كَانَ " الظِّهَارُ " فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ طَلَاقًا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ الْكَفَّارَةَ وَكَذَلِكَ كَانَ " الْإِيلَاءُ " طَلَاقًا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ حُكْمَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الظِّهَارَ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيمِ؛ فَمُوجَبُهُ رَفْعُ الْمِلْكِ؛ إذْ الزَّوْجَةُ لَا تَكُونُ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ. و " الْإِيلَاءُ " يَقْتَضِي عِنْدَهُمْ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ وَذَلِكَ يُنَافِي النِّكَاحَ.