للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِثْلُ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّ السَّفَرَ إلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَشْرُوعٌ مُسْتَحَبٌّ يُثَابُ فَاعِلُهُ وَأَنَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ يُؤْذَى وَيُعَاقَبُ أَوْ يُحْبَسُ: فَهَذَا الْحُكْمُ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ؛ لَا يَحِلُّ لِمَنْ عَرَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَّبِعَهُ وَلَا لِوَلِيِّ أَمْرٍ أَنْ يُنَفِّذَهُ وَمَنْ نَفَّذَ مِثْلَ هَذَا الْحُكْمِ وَنَصَرَهُ كَانَ لَهُ حُكْمُ أَمْثَالِهِ إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ وَخَالَفَهَا اسْتَحَقُّوا الْعِقَابَ وَكَذَلِكَ إنْ أَلْزَمَ بِمِثْلِ هَذَا جَهْلًا وَأَلْزَمَ النَّاسَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا عُفِيَ عَنْهُ. وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَى وُلَاةِ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعَ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِذَا تَنَازَعَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الدِّينِ وَلَوْ كَانَ الْمُنَازِعُ مِنْ آحَادِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ لَمْ يَكُنْ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ أَنْ يُلْزِمُوهُ بِاتِّبَاعِ حُكْمِ حَاكِمٍ؛ بَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبَيِّنُوا لَهُ الْحَقَّ كَمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ لِلْجَاهِلِ الْمُتَعَلِّمُ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَظَهَرَ وَعَانَدَهُ بَعْدَ هَذَا اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إنَّ الَّذِي قُلْته هُوَ قَوْلِي أَوْ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَقَدْ قُلْته اجْتِهَادًا أَوْ تَقْلِيدًا: فَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ لَا تَجُوزُ عُقُوبَتُهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ خَطَأً مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَوْ عُوقِبَ هَذَا لَعُوقِبَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ مَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ أَقْوَالٌ اجْتَهَدَ فِيهَا أَوْ قَلَّدَ فِيهَا وَهُوَ مُخْطِئٌ فِيهَا؛ فَلَوْ عَاقَبَ اللَّهُ الْمُخْطِئَ لَعَاقَبَ جَمِيعَ الْخَلْقِ؛ بَلْ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ