للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا} - تَمْيِيزًا - مِنْ الْمُرْسَلِينَ؛ ثُمَّ حَقَّقَ رِسَالَتَهُ بِأَنَّهُ رَأَى جبرائيل وَأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا يَأْخُذُهُ عَنْهُ فَقَامَ أَمْرُ الرِّسَالَةِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ وَجَاءَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَبْلَغِ وَالْأَكْمَلِ وَالْأَصْلَحِ. وَقَدْ احْتَجُّوا بِآيَاتِ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَقَاصِدِهَا؛ مِنْ وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ بِالتَّسْبِيحِ وَالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (الْحُجَّةُ السَّابِعَةُ: الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ الصَّحِيحُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَمَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْته فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ} ". وَالْمَلَأُ الَّذِي يَذْكُرُ اللَّهَ الذَّاكِرَ فِيهِ هُمْ: (الْمَلَائِكَةُ وَقَدْ نَطَقَ الْحَدِيثُ بِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَأِ الَّذِينَ يَذْكُرُ الْعَبْدُ فِيهِمْ رَبَّهُ وَخَيْرٌ مِنْهُمْ وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَمْ مِنْ مَلَإٍ ذُكِرَ اللَّهُ فِيهِ وَالرَّسُولُ حَاضِرٌ فِيهِمْ؛ بَلْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسِ الرَّسُولِ كُلِّهِمْ فَأَيْنَ الْعُدُولُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَهُوَ أَجْوَدُ وَأَقْوَى مَا احْتَجُّوا بِهِ وَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَضْعَفُ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ أَنَّ الْخَيْرَ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الذِّكْرِ لَا إلَى الْمَذْكُورِ فِيهِمْ تَقْدِيرُهُ ذَكَرْته ذِكْرًا خَيْرًا مِنْ ذَكَرَهُ لِأَنَّ ذَكَرَ اللَّهِ كَلَامُهُ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءِ فَإِنَّ الْخَيْرَ مَجْرُورٌ صِفَةٌ لِلْمَلَإِ وَقَدْ وَصَلَ بِقَوْلِهِ مِنْهُمْ وَلَمْ يَقُلْ مِنْهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ الْمَعْنَى لَقِيلَ ذَكَرْته فِي مَلَإٍ خَيْرًا