للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَنْ رَأَى أَنَّ هَذَا الْقِتَالَ مَفْسَدَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ: عُلِمَ أَنَّهُ قِتَالُ فِتْنَةٍ فَلَا تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِيهِ إذْ طَاعَتُهُ إنَّمَا تَجِبُ فِي مَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُورُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ بِالنَّصِّ فَمَنْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا هُوَ قِتَالُ الْفِتْنَةِ - الَّذِي تَرَكَهُ خَيْرٌ مِنْ فِعْلِهِ - لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ نَصٍّ مُعَيَّنٍ خَاصٍّ إلَى نَصٍّ عَامٍّ مُطْلَقٍ فِي طَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ التَّنَازُعِ بِالرَّدِّ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ. وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ أَخْبَرَ بِظُلْمِ الْأُمَرَاءِ بَعْدَهُ وَبَغْيِهِمْ وَنَهَى عَنْ قِتَالِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْدُورٍ؛ إذْ مَفْسَدَتُهُ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ؛ كَمَا نُهِيَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْقِتَالِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} وَكَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَأْمُورِينَ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا صَارَتْ بَاغِيَةً فِي أَثْنَاءِ الْحَالِ بِمَا ظَهَرَ مِنْهَا مِنْ نَصْبِ إمَامٍ وَتَسْمِيَتِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ لَعْنِ إمَامِ الْحَقِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنَّ هَذَا بَغْيٌ بِخِلَافِ الِاقْتِتَالِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ قِتَالَ فِتْنَةٍ؛ وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ ذَكَرَ اقْتِتَالُ الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} فَلَمَّا أُمِرَ بِالْقِتَالِ إذَا بَغَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ المقتتلتين دَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ المقتتلتين قَدْ تَكُونُ إحْدَاهُمَا بَاغِيَةً فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ. فَمَا وَرَدَ مِنْ النُّصُوصِ بِتَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ: يَكُونُ قَبْلَ الْبَغْيِ وَمَا وَرَدَ مِنْ الْوَصْفِ بِالْبَغْيِ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقِتَالُ مَعَ عَلِيٍّ وَاجِبًا لَمَّا