تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَانٍ بِنَفْسِهِ كَائِنًا كَمَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ؛ لَا فُرْقَانَ بَيْنَ ذَلِكَ ثُمَّ أَحَالُوا فِي النَّفْيِ بَعْدَ تَثْبِيتِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ مَا نَفَوْهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يُثْبِتُ شَيْئًا فِي الْمَعْنَى ثُمَّ نَفَاهُ بِالْقَوْلِ لَمْ يُغْنِ عَنْهُ نَفْيُهُ بِلِسَانِهِ وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ شَيْءٍ بِنَفْسِهِ كَائِنًا ثُمَّ نَفَوْا مَعْنَى مَا أَثْبَتُوهُ فَقَالُوا: لَا كَالشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ. قَالَ: " أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَنَا قَوْلُهُ: {حَتَّى نَعْلَمَ} {فَسَيَرَى اللَّهُ} {إنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ حَتَّى يَكُونَ الْمَوْجُودُ فَيَعْلَمُهُ مَوْجُودًا وَيَسْمَعُهُ مَسْمُوعًا وَيُبْصِرُهُ مُبْصِرًا لَا عَلَى اسْتِحْدَاثِ عِلْمٍ وَلَا سَمْعٍ وَلَا بَصَرٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَإِذَا أَرَدْنَا} إذَا جَاءَ وَقْتُ كَوْنِ الْمُرَادِ فِيهِ. وَإِنَّ قَوْلَهُ: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} الْآيَةَ. {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} {إذًا لَابْتَغَوْا إلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} فَهَذَا وَغَيْرُهُ مِثْلُ قَوْلِهِ: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إلَيْهِ} {إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} هَذَا مُنْقَطِعٌ يُوجِبُ أَنَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ فَوْقَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا مُنَزَّهٌ عَنْ الدُّخُولِ فِي خَلْقِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَبَانَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ بِنَفْسِهِ فَوْقَ عِبَادِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} يَعْنِي فَوْقَ الْعَرْشِ وَالْعَرْشُ عَلَى السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَدْ كَانَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى السَّمَاءِ فِي السَّمَاءِ وَقَدْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} يَعْنِي عَلَى الْأَرْضِ؛ لَا يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي جَوْفِهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} يَعْنِي عَلَى الْأَرْضِ؛ لَا يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي جَوْفِهَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} يَعْنِي فَوْقَهَا عَلَيْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute