للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا سُؤَالُ الْمَيِّتِ فَلَيْسَ بِمَشْرُوعِ لَا وَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ؛ بَلْ وَلَا مُبَاحٍ؛ وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا قَطُّ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ وَالشَّرِيعَةُ إنَّمَا تَأْمُرُ بِالْمَصَالِحِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ بَلْ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَفْسَدَةً مَحْضَةً أَوْ مَفْسَدَةً رَاجِحَةً وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَلَبِ الدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِهِ: هُوَ مِنْ بَابِ الْإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ. وَكَذَلِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَمِنْ زِيَارَةِ قُبُورِ الْمُؤْمِنِينَ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِحْسَانِ إلَى الْمَوْتَى الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَالصَّلَاةُ حَقُّ الْحَقِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالزَّكَاةُ حَقُّ الْخَلْقِ فَالرَّسُولُ أَمَرَ النَّاسَ بِالْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ بِأَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. وَمِنْ عِبَادَتِهِ الْإِحْسَانُ إلَى النَّاسِ حَيْثُ أَمَرَهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ كَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَكَزِيَارَةِ قُبُورِ الْمُؤْمِنِينَ فَاسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ عَلَى أَتْبَاعِهِ فَجَعَلَ قَصْدَهُمْ بِذَلِكَ الشِّرْكَ بِالْخَالِقِ وَإِيذَاءَ الْمَخْلُوقِ فَإِنَّهُمْ إذَا كَانُوا إنَّمَا يَقْصِدُونَ بِزِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ سُؤَالَهُمْ أَوْ السُّؤَالَ عِنْدَهُمْ أَوْ أَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ وَلَا الدُّعَاءَ لَهُمْ كَمَا يَقْصِدُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ كَانُوا بِذَلِكَ مُشْرِكِينَ مُؤْذِينَ ظَالِمِينَ لِمَنْ يَسْأَلُونَهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَجَمَعُوا بَيْنَ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ الثَّلَاثَةِ